‏إظهار الرسائل ذات التسميات العدد الاول المجلد الثالث. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العدد الاول المجلد الثالث. إظهار كافة الرسائل

المفهوم والتوجه التسويقي


التعريف بالمفهوم والتوجه التسويقي  

   بودي عبد القادر / ساهل سيدي محمد

متطلبات التسويق في الدول النامية

Introducing the concept and marketing orientation

 Boudi Abdelkader / Sahil Sidi Mohamed

 Marketing requirements in developing countries

التعريف بالمفهوم والتوجه التسويقي: يعد التسويق من المفاهيم التي استقطبت انتباه واهتمام العديد من الاقتصاديين والمنظرين في إدارة الأعمال إلى جانب الباحثين خلال العقود الأربعة الأخيرة. وتركز هذا الاهتمام حول كيفية تعريف مفهوم التسويق. فوردت العديد من المحاولات والأفكار وأظهرت اختلافات بينة فيما بينها. كما أنها اختلفت عن المضمون الحقيقي للتسويق كمجال من مجالات الدراسة في إدارة الأعمال. فهذه الاختلافات والتنوع في تعريف التسويق معناها تعيين حدود لنطاق فعالية نشاطاته ومن ثمة اقتراح جملة من الأنشطة الخاصة به. كما أنها تعكس مدى أهمية هذا النشاط الحيوي في المشروعات الصناعية والتجارية والخدمات من جهة وأهميته كنشاط اقتصادي هام لأي مجتمع من جهة أخرى. فقبل الشروع في مناقشة مختلف التعاريف، يتعين علينا أن نتعرف أولا عن أصل وطبيعة عبارة التسويق.

تعريف مفهوم التسويق: فالتسويق هو ظاهرة معقدة تجمع بين فلسفة الأعمال وتطبيقها ويشتمل على مجموعة المجهودات التي تهدف إلى خلق المنفعة. فليس هناك تعريف معترف به، وإنما هناك جملة من المحاولات لتبيان المقصود من التسويق، ذلك نظرا لخلط أو مزج التسويق بالبيع والتوزيع والترويج والتي لا تمثل إلا نشاطات جزئية من جملة نشاطات التسويق.

إن النتيجة التي توصلت إليها مجموعة من الباحثين لما طرحوا السؤال:

"ما المقصود بكلمة التسويق ؟" على فئة متكونة من ثلاثة مائة من المشرفين على مؤسسات تعليمية : (College Administrators ) كانت الإجابة كالتالي

% 90 لقد أجابوا بأن التسويق هو البيع، الإعلان ،أو العلاقات العمومية.

%10فقط اعتبروا أن التسويق يتضمن تقييم الحاجات، دراسة السوق، تنمية السلعة وتحديد الأسعار إلى جانب القيام بنشاط التوزيع.

معنى ذلك أن أغلبية المجيبين يخلطون ويمزجون التسويق بالبيع والإعلان. كما يعتقد البعض على أنه توفير السلع في المكان والوقت المناسب للمشترين. كلَ هذه المفاهيم وغيرها تمثل أبعاد للتسويق الذي هو أشمل وأعم من ذلك.

و للإجابة عن هذا السؤال، يجب الاعتراف أنه ليس هناك تعريف معترف به للتسويق، بينما هناك جملة من المحاولات لتبيان المقصود من التسويق. وغياب التعريف هذا يرجع في الأصل كما يقول الأستاذ Baker(1). في كتابه "استراتيجية التسويق وإدارة الأعمال" إلى أن التسويق هو لغز، و في الوقت نفسه إنه بسيط ومعقد، إنه فلسفة أو حالة ذهنية، وإنه وظيفة ديناميكية للأعمال، إنه جديد، وقديم قدم الوقت نفسه.

لقد تعددت محاولات تعريف التسويق في الفترة الممتدة ما بين 1960-1985الفترة التي من خلالها أوردت الجمعية الأمريكية للتسويق في سنة 1960 أَول تعريف رسمي كما ورد أيضا عن الجمعية تعريف رسمي ثاني في 1985. فشهد التسويق تطورا ملحوظا خلال هذه الفترة الزمنية حيث حاول المهتمين به تقديم تصورات مختلفة ومتنوعة واكبت الممارسات التي اعتمدتها المؤسسات الاقتصادية والمنظمات الغير حكومية والجمعيات الخيرية...الخ. فكانت جلَ التعاريف متكاملة [ينظر إلى الجدول رقم 01 المرافق]

فمن خلال الجدول نلاحظ بأن الجمعية الأمريكية للتسويق أخذت بالتعريف الذي قدم سنة 1948 من طرف Alexeder(2).لما كان رئيسا للجنة التعاريف المنبثقة عن الجمعية. وأصبح هذا التعريف تعريفا رسميا للتسويق عام 1960 . فاعتبر التسويق على أنه: "أداء أنشطة الأعمال التي توجه انسياب السلع والخدمات من المنتج إلى المستهلك أو المستعمل."

و يعرف الأستاذ (3). McCarthy.EJ التسويق على أنه : " تنفيذ أنشطة الأعمال التي تقود تدفق السلع والخدمات من المنتج إلى المستهلك أو المستعمل من أجل إشباع رغبات المستهلكين وتحقيق أهداف المنظمة". و ينظر McCarthy من خلال هذا التعريف إلى التسويق عبر النقاط التالية : (4).  

• يشتمل التسويق على جملة من الأنشطة والوظائف. كما أنه يعطي لمفهوم التسويق مفهوم التناسق والتكامل فيما بين أنشطة المشروع. فإذا استفسرنا ما المقصود بنظر التعريف بأنشطة المشروع لتبين لنا بأنها تلك الأنشطة الخاصة ب : تصميم، تشكيل وتطوير المنتجات، التعبئة، الائتمان والتحصيل، والنقل، والتخزين وكذا التسعير، والإعلان، والبيع.

• كما يعتبر McCarthy أن النظرة إلى التسويق على أنه التخلص من المنتجات التي تم إنتاجها من طرف إدارة الإنتاج، تسعيرها بواسطة إدارة التمويل والحسابات، هي نظرة ضيقة ومحدودة، أو بصحيح العبارة قصر في النظر التسويقي Marketing Myopia.

•لما يتكلم McCarthy على توجيه تدفق السلع والخدمات وكذا الحاجات والمستهلك، فإنه يعني أن العملية التسويقية تبدأ بالضرورة من التنقيب عن الحاجات وعليه تصميم سلع/خدمات التي من شانها تلبية هذه الحاجات. بمعنى آخر، تبدأ العملية التسويقية بالمستهلك. ويرجع للتسويق الفضل في تحديد المنتجات التي يجب إنتاجها وما يستتبع ذلك من قرارات خاصة بالتعبئة، التسعير، وكذلك القرارات الخاصة بتوقيت الحملات الإعلانية والبيع

•إن الهدف الأساسي للمشروع هو إرضاء الحاجات والرغبات لدى المستهلك أو المستعمل الصناعي. وعليه لا جدوى من إنتاج سلع وبعد ذلك البحث عن كيفية تصريفها. بينما يجب إنتاج ما يمكن تصريفه. بطبيعة الحال، هذا لا يعني أن التسويق سيحل محل إدارة الإنتاج، إنما سيمدها بالمعلومات والتوجيهات الخاصة بما هي طبيعة حاجات ومتطلبات المستهلك حتى تتمكن من اتخاذ القرارات التي تحقق التوافق ما بين مصلحة المنظمة /المشروع وتلك الخاصة بالمستهلك.

 فمن هذا المنظور، يمكن إدراك التسويق بمثابة طريقة أو عملية [Process] (ينظر إلى الشكل 01 تمكن من اكتشاف حاجات الأفراد أو المستهلكين وتحضير المنظمة/المؤسسة لتلبيتها بصفة مربحة. وتتمثل عملية إدارة التسويقMarketing ) : (Management Process في

1- تنظيم عملية تخطيط التسويق.

2- تحليل الفرص السوقية.

3- اختيار السوق المستهدفة.

4- تنمية مزيج تسويقي.

5- و إدارة الجهود التسويقية.

و يعرف الأستاذ (5).Levitt T & al. التسويق على أنه "يتضمن نشاط الأعمال الذي يتعلق بتحديد وتنشيط الطلب على سلع وخدمات المنشأة ومقابلة هذا الطلب بتقديم السلع والخدمات بالشكل المطلوب وبالحجم المطلوب وتحقيق الربح وغيره من أهداف المنشأة عن طريق تحديد وإشباع طلب المستهلكين". إن هذا التعريف يركز بصفة مطلقة على المستهلكين باعتبار أنهم موضع اهتمام وتوجيه كافة جهود المنشأة الأعمال. و في المقال المعنون(What exactly marketing is ?) لقد ألقى ، Crocier .K 1975الضوء على قرابة الخمسين تعريف، والتي نظر من خلالها أصحابها إلى (6) التسويق من مختلف الزوايا. فالنتيجة التي توصل إليها، هي تصنيف هذه التعاريف إلى ثلاثة مجموعات رئيسية وهي كما يلي:

المجموعة الأولى : من التعاريف ترى في التسويق على أنه مجموعة من العمليات المتعاقبة تحدث من خلال قنوات التسويق وتوصل بين كل من المنشأة المنتجة وسوقها.

المجموعة الثانية : ترى بأن التسويق هو فلسفة للأعمال. والفكرة هنا هي أن التسويق هو عملية تبادل اجتماعية فيما بين المنتج والمستهلك.

المجموعة الثالثة : من التعاريف تركز على أن التسويق هو نظام متكامل للأعمال يعتمد على إرادة المنتج وقابلية المستهلك على تحقيق أهداف كل طرف.

أما (7). P.Kotler فيعرف التسويق في كتابه "مبادئ التسويق" على أنه: "نشاط إنساني موجه لتلبية الحاجات والرغبات من خلال عملية التبادل.

فلما يعرف الأستاذ Kotler.P التسويق، فإنه يستطرد ويعني أنه ظهرت تعاريف مختلفة للتسويق من وقت لآخر حيث وصف التسويق بأنه: "نشاط الأعمال، مجموعة مرتبطة من أنشطة الأعمال، عمليات المتاجرة، إطار للتفكير، وظيفة متكاملة في رسم السياسات، عملية اقتصادية، عملية المبادلة وتحويل ملكية السلع، خلق المنفعة الزمنية، المكانية، الحيازة، عملية توازن بين العرض والطلب".

و لقد نظر Kotler.P (8). إلى هذه التعاريف على أنها مقيدة ولم تأخذ إلا جانب فقط من عملية ونشاط التسويق. ولذلك قدم هذا التعريف والذي له جذور في الطبيعة البشرية وسلوك الأفراد. وعليه فإن التسويق هو النشاط الذي بواسطته تتصل السلع المنتجة بالأسواق التي تحتاجها. أو بعبارة أخرى، إن التسويق هو نشاط الأعمال الذي يتضمن انسياب السلع والخدمات من مراكز الإنتاج إلى مواطن الاستهلاك (9). ويجب التأكيد هنا أن التسويق يتضمن الكثير من الجهود التي تبذل قبل أن تبدأ عملية إنتاج السلعة مثل تحديد رغبات المستهلكين عن طريق القيام ببحوث السوق وكذا المستهلكين، تخطيط(10). وتصميم السلعة

و نظرا للانتقادات التي وجهت إلى تعريف الجمعية الأمريكية للتسويق والتي أدرجناها آنفا، لقد ورد عن الجمعية التعريف الرسمي الثاني في 1985 والمتمثل في كون: "التسويق هو العملية الخاصة بتخطيط وتنفيذ وخلق وتسعير وترويج وتوزيع الأفكار أو السلع أو الخدمات اللازمة لإتمام عملية التبادل والتي تؤدي إلى إشباع حاجات الأفراد وتحقيق أهداف المنظمات".

و بمقتضى هذا التعريف يقول الأستاذ أبو القحف(11). بأن :

1. التسويق كنشاط يتم ممارسته بواسطة المنظمات على اختلاف أشكالها، ويكون نافعا لها وللأفراد باعتبار أنه يعمل على تحقيق أهدافهم. كما يعترف أيضا بوجود النشاط التسويقي بمفاهيمه وأساليبه الحديثة في كل أنواع المنظمات إن كانت تهدف إلى تحقيق الربح من عدمه.

2. يحدد التعرف بعض أنشطة التسويق، والتي في مجملها تكون ما يعرف بالمزيج التسويقي .The Mix Marketing

3- المستهلكين هم مركز الاهتمام اعتبارا أن البرنامج التسويقي لأي منظمة يقوم على أساس دراسة وتحليل حاجاتهم ورغباتهم ويعمل على تلبيتها على أحسن وجه بالنظر إلى المنافسين.

4- يؤكد هذا التعريف على أن المبادلة كما جاء عن Kotler.P أساس أو ،لب النشاط التسويقي. و على أساس هذا التعريف، يشار الآن إلى التسويق على أنه عملية أو مجموعة من الأنشطة تتعلق بالتوزيع، بالاقتصاد، بالإدارة وباتخاذ القرارات وبالتالي بالقوى الاجتماعية. كما ينظر له من طرف العديد من المنظرين في إدارة الأعمال والباحثين والمختصين في مجال التسويق على أنه أشمل وأوضح من سابقيه.

و بصفة أشمل، يمكننا القول إن مجال التسويق أوسع بحيث إنه يشتمل على دراسة الطلب من ناحية الكم والكيف قصد توجيه نشاط المشروع وذلك بالنظر إلى الزمان والمكان والكمية والسعر المطلوب. وهناك جملة من الأنشطة لا بد من القيام بها قبل البدء في إنتاج السلعة والخاصة بالكشف عن الحاجات والتنبؤ بالطلب والتعرف على أنماط الاستهلاك وتخطيط السلعة في حد ذاتها. كما يتوجب أيضا القيام به قبل الانتهاء من العملية الإنتاجية كتحديد مناطق البيع واختيار أساليب ووسائل التنقل والتوزيع إلى ما في ذلك من تقنيات الإعلان والدعاية والترويج وترقية المبيعات.

______________________________________________________________  


1- Baker.M.J, «Marketing Strategy and Management », McMillan Publishers Ltd,

2-London, 1985.pp.15. Alexer, Through Crosier.K, « What exactly marketing is ? », Quarterly review of marketing, winter 1975.

3- McCarthy E.J, «basic Marketing », 4th edition, Richard D-Irwin. Inc, Homewood, III, 1971, pp.19.

4- محمد عبد الله عبد الرحيم، "التسويق المعاصر"، جامعة القاهرة، مصر، 1988 ، ص 11 -12

5- Levitt T & al, « Marketing a contemporary analysis », Second Edition, McGrow- Hill, 1972, P 21.

6- K. Crocier, «What exactly marketing is ? », Quarterly review of marketing, winter 1975.

7- P.Kotler, «Marketing principles », Third Edition, Prentice-Hall International

Editions, New Jersey,1986.

8- محمد سعيد ع.ف،، " إدارة التسويق"، المكتبة الإدارية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، ج.م.ع، 1992

9- محمد سعيد عبد الفتاح، المرجع السابق.

10- xiKotler.P, «Principles of marketing », Third Edition, Prentice-Hall International Editions, New Jersey. 04,1986

11- أبو القحف.ع، "التسويق وجهة نظر معاصرة"، مكتبة الإشعاع للطباعة والنشر، الإسكندرية، ص49-50




استقلال القضاء على السلطة التنفيذية


استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية في الفقه الإسلامي  

د .عبد الرحمن عبد الرزاق عبد اللطيف 

The independence of the judiciary from the executive authority in Islamic jurisprudence

Dr. Abdul Rahman Abdul Razzaq Abdul Latif

اذا كان استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية لم يعرف في الدول الغربية الا في اوائل القرن التاسع عشر فقد سبقها الاسلام به(1). إذ إن الحكم بالعدل من واجبات رئيس الدولة في الإسلام وهو مسؤول أمام الله عن رعيته ومسؤول كذلك أمام الأمة أو الشعب الذي يملك الحق في محاسبته(2). وقد كان القضاء في بداية نشوء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتولاه النبي عليه الصلاة والسلام بنفسه بين الناس أو يعهد به إلى بعض الولاة في توليتهم أمر الولاية الإدارية والسياسية فلم يكن القضاء نظاماً مستقلاً في بادئ الأمر عن السلطة التنفيذية (3) , واستمر الحال هكذا في زمن الخليفة أبي بكر ، وبعد أن اتسعت الدولة الإسلامية في عهد الخليفة عمر استقل القضاء عن الولاة وأصبح الخليفة هو الذي يتولى القضاء أو يكون أمر توليتهم من الوالي عندما يخوله الخليفة أمر تولية القضاء . أو يوكل أمر توليتهم إلى من كان يسمى (قاضي القضاة) في زمن الدولة العباسية(4). وللاحاطة بموضوع الدراسة سوف نتطرق لة في نقطتين: -

اولاً :الاستقلال حق للقاضي وواجب عليه

ولمّا كان القضاء هو ديناً يحاسب عليه القاضي فإن من حقه أن يرفض التدخل في شؤون عمله القضائي ليتجنب سخط الله إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) {{ إن القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار عنه فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار }}(5). وإن استقلال القاضي حق له ، مصدره الشرع إلاّ أن هذا الحق في جذوره هو واجب شرعي على القاضي ، ودليل كونه واجباً هو أن القاضي لا يستطيع أن يتنازل عن استقلال قضائه ، ولو كان حقاً خاصاً لاستطاع التنازل عنه مثل باقي الحقوق الشخصية ، وأن تدخل ولي الأمر في عمل القاضي معصية والقاعدة في الشريعة الإسلامية أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ممّا جاء في الحديث {السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة}(6) . نقل عن الفقيه المالكي أشهب أنه قال (من واجب القاضي أن يكون مستخفاً بالأئمة) وفسر ذلك ، أي مستخفاً بتوسطاتهم وشفاعاتهم ، وإذا لم يستطع القاضي الحفاظ على استقلاليته في الحكم وجب عليه الاسـتقالة من وظيفته(7). بل يتوجب على الشخص إذا علم أنه لا يستطيع أن يتمتع بالاسـتقلال في الحكم أن يمتنع عن قبول منصب القضاء ، فنجد لذلك مثلاً الفقيه أبا حنيفة عندما امتنع عن قبول منصب القضاء من المنصور العباسي رغم إصرار الأخير على قبوله إذ قال له أبو حنيفة: (اتق الله ، ولا تشرك في أمانتك إلاّ من يخاف الله ، والله ما أنا بمأمون الرضا ، فكيف أكون مأمون الغضب ، وأني لا أصلح لذلك ، فصاح به المنصور قائلاً : كذبت أنت تصلح ، فرد عليه أبو حنيفة قائلاً : قد حكمت على نفسك فكيف يحل لك أن تولي قاضياً على أمانتك وهو كذاب) . فإذا كان الاستقلال متحصلاً وتوافرت فـي الرئيس الأعلى الصفات المطلوبة وجب على من كانت له أهلية القضاء أن يجيب لذلك ، ولا يجوز له الرفض في حال دعوته لذلك(8). لذا نجد أن القضاة في صدر الإسلام وعهوده الأولى كانوا يتمتعون باستقلال في عملهم القضائي ويحكمون حتى على الخلفاء في خصوماتهم إذا كان الحق عليهم ويقفون في وجه السلاطين والامراء عندما يحاولون ان يسخروا القضاء لخدمة مصالحهم (9). ، ومن خلال ذلك ، ومن الحصانة التي يتمتع بها القاضي من تدخل ولي الأمر في عمله يطمئن الناس على حقوقهم فلا يخافون جور السلطان ولا بغي ذوي الجاه لأن القاضي سيعمل بالحق فيهم . ويناقش الفقه الإسلامي في مسألة أنه ، في بعض الحالات ، تجتمع السلطة القضائية والسلطة التنفيذية بيد الخليفة فكيف يتم ضمان استقلال القضاء ؟ وجواب ذلك أن الخليفة عندما يمارس العمل القضائي فإنه يخضع في أعماله لما يخضع له القضاة الآخرون من جهة ضوابط المرافعة ووسائل الإثبات وقواعد الحكم التي منها عدم جواز نظره لقضية هو فيها خصم ، مدعٍ أو مدعى عليه ، أو أن أحد خصومها ممن لا تجوز الشهادة له وغير ذلك من القواعد ، وأنه بناءً على المصالح المرسلة وسد الذرائع ، لا يجوز لرئيس الدولة القيام بوظيفة القضاء ، دفعاً للتهمة عن نفسه وخشية انحرافه(10). وإذا كان مبدأ استقلال القضاء أمراً مهماً وضرورياً في ظل نظم الحكم الاستبدادية ، التي استبد فيها الملوك والنبلاء ورجال الدين ، ممّا استوجب في فرنسا قيام الثورة الفرنسية وإقرار نظام الفصل بين السلطات لضمان الحريات الفردية وكذلك في ظل نظم الحكم الدستورية التي تنص دساتيرها على أن الملك غير مسؤول وأن ((ذاته مصونة لا تمس)) ، فانه رغم عدم وجود نظام الفصل بين السلطات على النحو الذي وجد في الديمقراطيات الغربية ، فان الشريعة الاسلامية تجعل السلطة القضائية سلطة تعلو فوق كل السلطات ، فهي فوق الخليفة أو الإمام أو رئيس الدولة أيا كان ، إذ نجد في ظل هذا النظام الإسلامي أهم ضمانة للحريات وهي أن الناس متساوون , والذي يساوي فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه بأي فرد، في القضاء والقصاص يقول عمر بن الخطاب (رض) [رأيت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقص من نفسه] (11). فقد ورد أنه [بينما رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقسم شيئاً ، إذ أكب عليه رجل ، فطعنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، بعرجون كان معه ، فجرح الرجل ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : تعال فاستقد ، قال : بل عفوت يا رسول الله] (12). ونجد ان الامام علياً ( عليه السلام ) في اثناء خلافته تخاصم مع يهودي امام القاضي شريح , فقام له شريح عندما دخل عليه الامام فاعترض عليه الامام وقال له ( هذا اول جورك ) , في قضية درع الامام المشهورة (13) . كذلك نجد أن عمر بن الخطاب ، مثل هو وخصمه أبي بن كعب أمام زيد بن ثابت ليقضي بينهما فيلقي زيد لعمر وسـادة فيقول له عمر (هذا أول جورك) . ويجعل عمر ابن المصري يقتص من ابن عمرو بن العاص والي مصر ويقول له : أضرب ابن الأكرمين(14). وهكذا نجد أن الشريعة الإسلامية كانت قد عرفت الفصل بين السـلطات من خلال الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية(15).

ثانياً : رقابة القضاء في الفقه الإسلامي

إذا كانت النتيجة التي توصلنا إليها هي أن القضاء مستقل في الشريعة الإسلامية لا سلطان عليه لغير الأحكام الشرعية إلاّ أن ذلك لا يمنع من أن تكون هناك رقابة على عمل القاضي وذلك للتثبت من حسن قضائه وأدائه واجبه على النحو الأفضل ولمّا كان القاضي هو وكيل رئيس الدولة في أداء عمل القضاء ومن حق الموكل أن يراقب وكيله في ما يقوم به من أعمال على الوجه المشروع ، فإن هذه الرقابة لا تعارض استقلال القاضي أو أداء واجبه"(16). وقد رأى الأمام علي عليه السلام أن واجب ولي الأمر إقامة العدل بين الرعية من خلال مراقبة أعمال القضاة وتصرفاتهم من حين لآخر ، مع اتصافهم بأوصاف القضاة الصالحين والفضلاء ، لأن محاسبة النفس والشعور بالمسؤولية قد يكون ضئيل الأثر في نفوس بعض المسؤولين فأراد عليه السلام أن يقويه ويعمقه في نفوس القضاة خاصة ، فعهد إلى عامله أن يكثر تعاهد قضائه – القاضي – أي تطلعه إلى أحكامه وأقضيته(17). ومن ثمّ فإنه [ ينبغي للإمام أن يتفقد أحوال القضاة فإنهم قوام أمره ورأس سلطانه ، وكذلك قاضي الجماعة ، فينبغي له أن يتفقد قضاته ونوابه ويتصفح أقضيتهم ويراعي أمورهم وسيرتهم في الناس وعلى الإمام والقاضي الجامع لأحكام القضاء أن يسأل الثقات عنهم] (18). كذلك يبدو أنه يجب عليه أن يراقب القضاة في سرعة إنجاز دعاواهم القضائية المعروضة عليهم وسرعة إيصال الحقوق إلى أصحابها لأن تأخير الفصل فيها يمثل مطلاً يوجب إثماً ويؤدي إلى ظلم صاحب الحق ، لأن عدم إيصال الحق له بسرعة أي في وقته ، وإن حصل عليه فيما بعد ، يمثل ظلماً وإخلالاً بالعدالة أو ما يسمى (عدالة ناقصة) ، وبذلك فإن [القاضي بتأخير الحكم يأثم ويعزر ويعزل] (19).

If the independence of the judiciary from the executive authority was not known in Western countries until the early nineteenth century, Islam preceded it (1). As ruling with justice is one of the duties of the head of state in Islam, he is responsible before God for his subjects and is also responsible before the nation or the people who have the right to hold him accountable (2). At the beginning of the emergence of the Islamic state in Medina during the era of the Messenger (may God bless him and his family and grant them peace), the judiciary was handled by the Prophet, may God bless him and grant him peace, personally among the people, or entrusted to some governors in their charge of administrative and political guardianship. The judiciary was not an independent system at first. Executive authority (3), and the situation continued like this during the time of Caliph Abu Bakr, and after the Islamic state expanded during the reign of Caliph Omar, the judiciary became independent from the governors, and the caliph became the one who assumed the judiciary, or the order to appoint them came from the governor when the caliph authorized him to assume the judiciary. Or the matter of their appointment is entrusted to someone who was called (the judge of judges) during the time of the Abbasid state (4). To cover the subject of the study, we will address it in two points: -


First: Independence is a right and a duty for the judge


Since the judiciary is a religion for which the judge is held accountable, he has the right to refuse to interfere in the affairs of his judicial work in order to avoid the wrath of God, as the Messenger of God (may God’s prayers and peace be upon him and his family) said: “The judges are three, one in Paradise and two in Hell. As for the one in Paradise, he is a man of knowledge.” And a man who knew the truth and ungrateful towards it is in Hell, and a man who ruled for people out of ignorance is in Hell.}}(5). The independence of the judge is his right, its source is Sharia. However, this right at its roots is a legal duty on the judge, and the evidence for it being a duty is that the judge cannot give up the independence of his judiciary. If it were a private right, he would be able to give it up like other personal rights, and if the guardian intervenes. There is disobedience in the work of a judge, and the rule in Islamic law is that there is no obedience to a created being if it disobeys the Creator, as stated in the hadith: “Hearing and obedience are required of a Muslim in what he likes and dislikes as long as he is not commanded to commit a disobedience. If he is commanded to commit a disobedience, then there is neither hearing nor obedience” (6). He quoted the Maliki jurist Ashhab as saying, “It is the judge’s duty to be contemptuous of the imams,” and he interpreted this as meaning to be contemptuous of their mediations and intercessions. If the judge cannot maintain his independence in ruling, he must resign from his job (7). Rather, if a person knows that he cannot enjoy independence in ruling, he must refrain from accepting the position of judge. We find, for example, the jurist Abu Hanifa when he refrained from accepting the position of judge from Al-Mansur Al-Abbasi despite the latter’s insistence on accepting it, as Abu Hanifa said to him: (Fear God. And do not share your trustworthiness with anyone except those who fear God. By God, I am not safe from contentment, so how can I be safe from anger, when I am not fit for that? So Al-Mansour shouted at him, saying: You lied, you are right. Abu Hanifa replied to him, saying: You have judged yourself, so how is it permissible for you to take charge? Judge of your honesty, and he is a liar. If independence is achieved and the supreme president possesses the required qualities, then the person who has the qualifications to judge must respond to that, and it is not permissible for him to refuse if called upon to do so (8). Therefore, we find that judges at the beginning of Islam and its early eras enjoyed independence in their judicial work, and they ruled even on the caliphs in their disputes if they were entitled to them, and they stood up to the sultans and princes when they tried to subject the judiciary to serve their interests (9). Through this, and from the immunity that the judge enjoys from the interference of the ruler in his work, people are reassured of their rights, so they do not fear the oppression of the Sultan or the oppression of people of prestige, because the judge will act according to what is right for them. Islamic jurisprudence discusses the issue that, in some cases, the judicial authority and the executive authority are combined in the hands of the Caliph, so how is the independence of the judiciary guaranteed? The answer to this is that when the Caliph practices judicial work, he is subject in his actions to what other judges are subject to in terms of pleading controls, means of proof, and ruling rules, including the impermissibility of him examining a case in which he is an opponent, plaintiff or defendant, or one of its opponents is among those for whom it is not permissible to testify and is not. This is one of the rules, and based on the stated interests and the blocking of pretexts, it is not permissible for the head of state to carry out the function of the judiciary, in order to ward off the accusation against himself and for fear of his deviation (10). If the principle of independence of the judiciary is important and necessary under authoritarian systems of government, in which kings, nobles, and clergy were tyrannical, which in France necessitated the establishment of the French Revolution and the adoption of a system of separation of powers to guarantee individual freedoms, as well as under constitutional systems of government whose constitutions stipulate that the king is not Responsible and that “it is inviolable and inviolable.” Despite the absence of a system of separation of powers as found in Western democracies, Islamic law makes the judicial authority an authority that rises above all authorities. It is above the caliph, the imam, or the head of state, whoever he may be. We find, under this Islamic system, the most important guarantee for freedoms, which is that people are equal, in which the Messenger of God (may God’s prayers and peace be upon him and his family) equals himself to any individual, in judgment and retaliation. Omar bin Al-Khattab (may God be pleased with him) says [I saw the Messenger of God, may God’s prayers and peace be upon him He cuts himself] (11). It was reported that [while the Messenger of God, may God’s prayers and peace be upon him, was dividing something, a man fell on him, and the Messenger of God (may God’s prayers and peace be upon him) stabbed him, with a cripple he had with him, so he injured the man, so the Messenger of God (may God’s prayers and peace be upon him) said to him: Come. So he went forward and said: Rather, you have forgiven me, O Messenger of God] (12). We find that during his caliphate, Imam Ali (peace be upon him) quarreled with a Jew in front of Judge Shurayh. Shurayh stood up for him when the Imam entered upon him, but the Imam objected to him and said to him (This is your first act of injustice), in the famous case of the Imam’s shield (13). We also find that Omar bin Al-Khattab and his opponent, Ubayy bin Ka’b, appeared before Zaid bin Thabit to judge between them, and Zaid threw a pillow to Omar, and Omar said to him (This is the first of your injustices). He makes Omar Ibn Al-Masry take revenge on Ibn Amr Ibn Al-Aas, the governor of Egypt, and says to him: Strike the son of the nobles (14). Thus, we find that Islamic law had known separation

___________________

- علي علي منصور , نظم الحكم والادارة في الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية , دار الفتح , بيروت , 1971 , ص 364 .

2- د. محمد عبد الجواد محمد ، المصدر السابق ، ص113 .

3- د. فاروق عمر . النظم الاسلامية , الصين 1983 , ص 125 ؛ و د. محمد سلام مدكور . القضاء في الاسلام , دار النهضة العربية , ص 23 .

4- علي الفنطاسي ، المصدر السابق ، ص786 .

5- مر تخريجه سابقاً .ص31.

6- العسقلاني ، فتح الباري ، ج13 ، ص121-122 .

7- د. عبد الكريم زيدان ، المصدر السابق ، ص73 .

8- باقر شريف ، المصدر السابق ، ص335 .

9- د . محمد فاروق النبهان . المدخل للتشريع الاسلامي , دار القلم , بيروت 1977 , ص 344 .

0- د. عبد الكريم زيدان ، المصدر السابق ، ص73-75 .

1- سنن النسائي ، ج8 ، ص31 .

2- سنن النسائي ، ج8 ، ص29 .

3- د . صبحي محمصاني . المجتهدون في القضاء , دار العلم للملايين , بيروت 1980 , ص 36 .

4- د. محمد عبد الجواد ، المصدر السابق ، ص116 .

5- د. صلاح الدين الناهي ، بحث عن حقوق الإنسان والضمانات القضائية ، مجلة القضاء ، عدد3-4 ، 1980 ،ص15 .

6- د. عبد الكريم زيدان ، المصدر السابق ، ص77 .

7- توفيق الفكيكي ، الراعي والرعية ، ص67.

8- ابن فرحون المالكي ، المصدر السابق ، ج1 ، ص77 .

9- ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار ، ج5 ، 443 


دور من ولد في عصر الرسالةمن قريش

 دور من ولد في عصر الرسالة من قريش،وحلفائها في الخلافتين الراشدة والاموية دراسة تاريخية ((كمية))

عبد الله عبد الرحمن عبد الرزاق 

PDF

دور من ولد في عصر الرسالة من قريش ، وحلفائها في الخلافتين الراشدة والاموية دراسة تاريخية ((كمية))

إنّ قراءة التاريخ لمجتمعٍ ما تتطلّب أن يتمّ التعرّف إلى البيئة الجغرافيّة التي يعيش فيها ذلك المجتمع، لأنّ كثيرًا من الأحداث التاريخيّة التي تتعلّق بذاك المجتمع، تتعلّق بالطبيعة الجغرافيّة التي يعيش فيها، من جبال وسهول ووديان ومناطق أخرى.

إضافة إلى ذلك، لا بدّ من الاطّلاع على الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة التي كان يعيشها ذاك المجتمع، لأنّ كثيرًا من العادات والتقاليد والأعراف مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بكلّ تلك الحياة التي ينطوي عليها المجتمع، فتؤثّر فيه وفي أبنائه، وهذا ما يشمل عمليًّا معتقداته، وأفكاره الدينيّة، والسياسيّة، والاجتماعيّة والنفسيّة.

وهنا، في معرض تعرّفنا إلى تاريخ العرب في شبه الجزيرة العربيّة، لا بُدَّ من إطلالة على جغرافيّة شبه الجزيرة العربيّة، ومعتقدات العرب، وعاداتهم الاجتماعيّة والسياسيّة.

The role of those born in the era of the message from Quraysh, and their allies in the Rashidun and Umayyad Caliphates, a historical study ((quantitative))

Abdullah Abdul Rahman Abdul Razzaq


The role of those born in the era of the message from the Quraysh, and their allies in the Rashidun and Umayyad Caliphates, a historical study ((quantitative))

Reading the history of a society requires getting to know the geographical environment in which that society lives, because many of the historical events that relate to that society are related to the geographical nature in which it lives, including mountains, plains, valleys, and other regions.

In addition, it is necessary to learn about the political, social, and religious life that that society was living, because many of the customs, traditions, and customs are closely linked to all that life that society involves, affecting it and its children, and this practically includes its beliefs and religious ideas, political, social and psychological.

Here, as we learn about the history of the Arabs in the Arabian Peninsula, we must look at the geography of the Arabian Peninsula, the beliefs of the Arabs, and their social and political customs.


الحريات المدنية والسياسية

 الحريات

مهند عبد القادر سعد 

Freedoms

Muhannad Abdel Qader Saad

أن الحريات الأساسية هي التي: ترتبط ارتباطاً صحيحاً بشخص الإنسان ولهذه الحقوق أهميتها باعتبارها السبيل الذي يمهد للإنسان ممارسة حقوقها الأخرى سياسية كانت أم مدنية، إذ أن الإنسان المقيد لا يستطيع ممارسة تلك الحقوق وتتجسد الحقوق الأساسية بالآتي:-

1-الحرية في الحياة والأمان والسلامة البدنية:

لقد رفع الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرمه في كثير من آيات القرآن الكريم، حتى أنه جعله خليفته في الأرض والله سخر له الكون وجعله في نطاق سلطـــــانه وعلمه من حيث أن الله منحه العقل وفي ذلك يقول تعالى: ((ولَقدَ كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً))(سورة الإسراء، الآية (70)).

وهي منزلة لا يختص بها جنس دون جنس ولا لون دون لون، ولا عقيدة دون عقيدة فقد خاطب الله كل بني آدم، ولذلك قال الرسول محمد ((صلى الله عليه وآله وسلم))...

((كلكم لآدم وآدم من تراب))، هذا التكريم الذي يشترك فيه كل الناس على اختلاف أهوائهم واتجاهاتهم وجنسهم وأصلهم ولونهم، هو الذي جعل الرسول (ص) يحرص على المحافظة على القواعد والوصايا التي يوصي بها مقاتليه في الحرب وكان يبدأ بالدعاء إلى الله تعالى بقوله ((اللهم أنا عبدك وهم عبادك)).

وقد جعل الله تعالى قتل الإنسان بغير حق مساوياً للشرك بالله فقال تعالى: ((والذين لا يدعون مع الله آلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق)) (سورة الفرقان، الآية(68)).

وجعل قتل النفس بغير حق كأنه قتل الناس جميعا فقال تعالى ((من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً)) (سورة المائدة،الآية (32)). قد أدان الإسلام اللجوء إلى التعذيب أو الوسائل الغير الإنسانية وقد قال الرسول (ص) ((ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فأن وجدتم للمسلم مخرجاً فأخلو سبيله))، إذ ذهب الإسلام على أن تتم إجراءات التحقيق عن طريق الإجراءات المرسومة، كفالةً للحريات إذ أوجب الإسلام أن يقف الجزاء عند العقوبة المقررة كما حرص الإسلام على رعاية المحبوسين في إنسانيتهم  ومعاشهم من مأكل وملبس وأجر عن عمل مع كراهية التقيد بالسلاسل.

ومن خلال ذلك نستشف أن الفكر الإسلامي يعتبر حق الحياة في طليعة الحقوق، المدنية والتي نصت عليها مختلف الشرائع السماوية.

وإلى ذلك ذهبت المواثيق الدولية والقوانين أيضاً إذ أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 أن المادة الأولى منه ((يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق)) وفي المادة الثالثة منه تنص على أن ((لكل فرد الحق في الحياة والحرية والسلامة البدنية))، وقد نصت أغلب القوانين على ضمانات كحماية ((حرية الحياة، والسلامة البدنية)) ومن هذه الضمانات:-

1- أن المتهم برئ حتى تثبت أدانته من قبل محكمة مختصة.

2-  حقه في الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفق القانون.

3- أن تكون جلسات المحكمة علنية إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية.

4- لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

2-حرية التنقل واختيار مكان الإقامة:-

يعني أن يتمكن الإنسان من التنقل في حدود إقليم دولته والسفر خارج البلاد والعودة اليه مع مقتضيات المصلحة العامة.

حيث أن حرية التنقل تشمل جميع المواطنين وبدون استثناء طالما لم يكن هناك اعتداء على الملكية العامة، أو مانع من التنقل بسبب شخصي كالحكم الجزائي. أو لسبب موضوعي كإعلان عن حالة طوارئ التي تحدد فيها المناطق وفي بعض الأحيان عدد ساعات التجوال ومداها والمناطق الخاضعة لها، أو وجود منطقة يمنع التجول فيها أو في محاذاتها بقرار من السلطة العامة.

لقد كفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان / 1948 في المادة الثالثة عشر ((لكل فرد حرية التنقل وأختيار محل الإقامة داخل حدود بلده، وأنه يحق لكل  فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده حتى يحق له العودة إليه))، وبنفس الأسلوب أشارت المادة الثانية عشر من الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية إلى هذا الحق مؤكدة على حرية الفرد بالتنقل.

وهذا ما جاء به الدستور العراقي على أنه لا يجوز أبعاد عراقي من العراق ولا يحضر على العراقي الإقامة في جهة ما ولا أن يلزم بالإقامة في مكان معين ألا في الأحوال المبينة في القانون.

3-حق المواطنة ((الجنسية))

يشكل هذا الحق المرتبة الأولى بين مختلف الحقوق السياسية، وذلك أن عديم الجنسية يعد أجنبياً ليست له حقوق ولا واجبات المواطنة ولقد أكدت أغلب الدساتير على هذا الحق وكذلك فعلت القوانين التي تنظم شؤون الجنسية.

4-حق الانتخاب:-

هو حق الفرد في المشاركة في الانتخابات العامة لمختلف الشؤون المتعلقة بالسلطة العامة بصفته ناخب أو مرشح لتولي منصب وذلك في حدود الشروط التي تقرها القوانين.

Fundamental freedoms are those that: are properly linked to the human person, and these rights are important because they are the path that paves the way for a person to exercise his other rights, whether political or civil, since a restricted person cannot exercise those rights. Basic rights are embodied in the following: -

1-Freedom of life, security and physical safety:

God Almighty has exalted and honored man in many verses of the Holy Qur’an, to the point that He made him his successor on earth. God has subjugated the universe to him and placed him within the scope of His authority and knowledge, in that God granted him reason. In that, God Almighty says: ((And We have honored the children of Adam and carried them on land and sea. And We have provided them with good things and have favored them over many of those whom We have created with great distinction.) (Surat Al-Isra, verse (70)).

It is a status that is not specific to one gender or another, no color to the same, and no belief to the same. God has addressed all of the sons of Adam, and that is why the Messenger Muhammad ((may God’s prayers and peace be upon him and his family and grant them peace)) said...

((All of you belong to Adam and Adam is from dust)) This honor, which is shared by all people regardless of their desires, orientations, gender, origin, and color, is what made the Messenger (PBUH) keen on preserving the rules and commandments that he recommended to his fighters in war, and he would begin by praying to God Almighty. By saying ((Oh God, I am your servant and they are your servants)).

God Almighty has made killing a person unjustly equal to polytheism, and God Almighty said: ((And those who call upon not with God any other god, nor kill the soul which God has forbidden except with justice)) (Surat Al-Furqan, verse (68)).

He made killing a soul unjustly as if it were the killing of all mankind, and God Almighty said ((Whoever kills a soul for other than for manslaughter or for corruption in the land, it is as if he had killed all mankind)) (Surat Al-Ma’idah, verse (32)). Islam has condemned resorting to torture or inhumane means, and the Messenger (may God bless him and grant him peace) said ((Avoid punishment from Muslims as much as you can. If you find a way out for a Muslim, then release him)). Islam stipulates that investigation procedures should be carried out through established procedures, in order to guarantee freedoms, as it obliges Islam is that the punishment should stop at the prescribed punishment, just as Islam is keen on caring for those who are imprisoned in their humanity and their livelihood, including food, clothing, and wages for work, while abhorring the restriction of chains.

Through this, we discover that Islamic thought considers the right to life to be at the forefront of civil rights, which are stipulated in various divine laws.

This is also followed by international conventions and laws, as the Universal Declaration of Human Rights in 1948 stipulated that Article 1 of it “All human beings are born free and equal in dignity and rights” and Article 3 of it stipulates that “Everyone has the right to life, liberty and physical integrity.” Most laws stipulate guarantees such as the protection of “liberty of life and physical integrity.” These guarantees include:

1- The accused is innocent until proven guilty by a competent court.

2- His right to defense at all stages of investigation and trial in accordance with the law.

3- Court sessions shall be public unless the court decides to make them confidential.

4- There is no crime or punishment except by a text.

2- Freedom of movement and choice of place of residence:-

It means that a person can move within the borders of his country’s territory and travel outside the country and return to it according to the requirements of the public interest.

Freedom of movement includes all citizens, without exception, as long as there is no attack on public property, or an impediment to movement due to a personal reason, such as a criminal ruling. Or for an objective reason, such as declaring a state of emergency in which areas are determined, and in some cases, the number of curfew hours, their extent, and the areas subject to them, or the existence of an area in which curfews are prohibited or in its vicinity by decision of the public authority.

The Universal Declaration of Human Rights / 1948 guaranteed in Article Thirteen ((Every individual has freedom of movement and choice of residence within the borders of his country, and that every individual has the right to leave any country, including his own country, until he has the right to return to it)), and in the same way, Article Two indicated Ten of the Convention on Civil and Political Rights extend to this right, affirming the freedom of movement of the individual.

This is what the Iraqi Constitution stipulates that it is not permissible to deport an Iraqi from Iraq, and an Iraqi is not required to reside in a certain place, nor is he required to reside in a specific place, except in the circumstances specified in the law.

3-The right to citizenship ((nationality))

This right ranks first among the various political rights, because a stateless person is considered a foreigner who has neither the rights nor the duties of citizenship. Most constitutions have affirmed this right, as have the laws that regulate nationality affairs.

4

الابادة الجماعية

 الإبادة الجماعية

عيسى قاسم العبد 

مجلة بغداد للعلوم الانسانية 

Genocide

Issa Qasim Al-Abd

Baghdad Journal for Human Sciences

أقرت الأمم المتحدة اتفاقية تقضي بمنع جرائم الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها في 9 كانون الأول/ديسمبر1948. واعتبرت هذه الاتفاقية (( الإبادة الجماعية )) بمثابة جريمة دولية تتعهد: الدول الموقعة عليها (( بمنعها والمعاقبة عليها )) . والإبادة الجماعية:تعني ارتكاب أي عمل من الأعمال الآتية بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية، لجماعة ما : على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين، مثل:

‌أ- قتل أعضاء الجماعة .

‌ب- إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة.

‌ج- إلحاق الأضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بشكل متعمد بهدف التدمير الفعلي للجماعة كلياً أو جزئياً.

‌د- فرض إجراءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة .

‌ه- نقل الأطفال بالإكراه من جماعة إلى أخرى .

وفي الوقت الذي شهد فيه التاريخ العديد من الحالات التي يستهدف فيها العنف الجماعات المختلفة وحتى منذ بدء سريان الاتفاقية، تركز التطور الدولي والقانوني للمصطلح حول فترتين تاريخيتين بارزتين: الفترة الأولى وهي الفترة التي بدأت منذ صياغة المصطلح وحتى قبوله كقانون دولي (1944- 1948) والفترة الثانية هي فترة تفعيله في ظل تأسيس المحاكم العسكرية الدولية للبت في جرائم الإبادة الجماعية (1991- 1998). غير ان منع الإبادة الجماعية باعتباره الالتزام الرئيسي الآخر للاتفاقية يظل التحدي الذي تواجهه الدول والأفراد باستمرار.

كان التاريخ الإنساني مليئا بالمجازر التي ارتكبت من قبل الدول على المستويين الداخلي ضد شعوبها والخارجي ضد الشعوب الأخرى. ورغم كثرة مجازر الإبادة الجماعية إلا انه لم يُشر إلا إلى تلك التي حدثت في القرن العشرين. بذل المجتمع الدولي محاولات لتطوير القانون الدولي وخاصة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وكان تركيزه على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لذلك ليس مصطلح الإبادة مصطلحا وصفيا فحسب بل مصطلحا قانونيا اليوم . على هذا الأساس لا يعني المصطلح مجازر ضد المدنيين بشكل عام بل الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة. ولما كانت هذه الإبادة من الجرائم الدولية التي لا يسري عليها التقادم، فمن باب أولى ان لا يسري على ذكرها التقادم أيضا .

كانت المحكمتان الدوليتان بسبب عمليات الإبادة في رواندا والبوسنة أول التطبيق للاتفاقية عمليا. وفي 1998 حُكما مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا السجن لمدى الحياة وبينهما "جان كمباندا" الذي كان رئيس الوزراء في بداية عملية الإبادة والذي اعترف بمسؤوليته عن إبادة المدنيين التوتسيين. عمليات الإبادة

شهدت الحرب العالمية الثانية قتل لحوالي 11 مليون مدني، من بينهم أشهر عمليات الإبادة هو ما قام به النازيون ضد المعارضون السياسيين والغجر والعديد من الشعوب الألمانية, ومن جرائم الإبادة وحالات الأفعال المشتبه بها في القرن العشرين هي:

1. المجازر الفرنسية في الجزائر من سنة 1830حتى 1960م.

2. الإبادة الأرمنية .

3. الإبادة الأوكرانية .

4. الإبادة الكمبودية .

5. الإبادة في رواندا .

6. الإبادة في البوسنة .

شهد التاريخ الإنساني لعدة حالات من القتل الجماعي، ولكن تدور المناقشة عن استخدام مصطلح الإبادة الجماعية بنسبة لها حول قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة لأن هذا القصد هو الجزء الأساسي في الإبادة الجماعية ولكن صعب التدليل. لذلك مصطلح الإبادة الجماعية والمنظمة غير مستخدم بمعناه القانوني بالنسبة لبعض الحالات من القتل الجماعي ويسبب استخدامه أو عدم استخدامه صراعا أساسياً في بعض الحالات الأخرى، منها :

1. غزو المغول لبغداد .

2. إبادة الأمريكيين الأصليين (الهنود الحمر) .

3. إبادة هيروشيما .

4. مجازر ضد الفلسطينيين من قبل اليهود .

5. الاحتلال الصهيوني لفلسطين .

-منع الإبادة الجماعية

كانت الحاجة إلى منع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها موضع اهتمام المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وعُرفت الإبادة الجماعية بأنها جريمة بموجب القانون الدولي في اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 (اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها). وتجعل هذه الاتفاقية من ارتكاب الإبادة الجماعية أو التخطيط أو التآمر لارتكابها، أو التحريض أو دفع الآخرين إلى ارتكابها، أو الضلوع أو الاشتراك في أي عمل من أعمال الإبادة الجماعية، جريمة من الجرائم. واليوم فإن جميع الحكومات ملزمة بحكم هذا القانون سواء وقعت هذه الاتفاقية أو لم توقع عليها. وبالرغم من الاتفاقية فقد حدثت فظائع هائلة منذ ذلك الحين، منها الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، أبرزت فشل المجتمع الدولي في تحويل منع الإبادة الجماعية إلى واقع .

الإبادة الجماعية ليست شيئا يحدث بين ليلة وضحاها أو دون سابق إنذار. بل هي في الواقع إستراتيجية متعمدة. وتدرك آثار الإبادة الجماعية خارج حدود البلد المتضرر منها لأنها تؤثر سلبا على سلامة السكان في المناطق المجاورة, فاليوم لا تزال آثار الإبادة الجماعية. وتأثير جريمة الإبادة الجماعية على الأجيال المقبلة هائل حقا.

-علامات الإنذار بحدوث الإبادة الجماعية :

قام المستشار الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية بجمع قائمة بعلامات الإنذار التي تشير إلى تعرض مجتمع من المجتمعات لخطر الإبادة الجماعية أو الفظائع المشابهة وهي تشمل ما يلي 

1. أن تكون للبلد حكومة شمولية أو قمعية لا تقبض على زمام السلطة فيها إلا فئة واحدة .

2. أن يكون البلد في حرب أو ان تسوده بيئة من عدم احترام القوانين يمكن ان تحدث فيها المذابح بدون ان تلاحظ بسرعة أو توثق بسهولة .

3. ان تكون جماعة أو أكثر من الجماعات الوطنية أو العرقية أو العنصرية أو الدينية هدفا للتمييز أو تستخدم كبش فداء لتحميلها مسؤولية الفقر أو غيره من المشاكل الاجتماعية التي تواجه البلد حاليا .

4. ان يوجد اعتقاد أو نظرية تقول بان الجماعة المستهدفة اقل من مستوى البشر، فهي (( تجرد من الإنسانية )) أعضاء هذه الجماعة وتبرر ارتكاب العنف ضدهم. وتنشر الرسائل والدعاية التي تدعم هذا الاعتقاد من خلال وسائل الإعلام أو في التجمعات (( تجمعات الكراهية )) و(( رسائل الكراهية )) .

5. ان يوجد قبول متزايد للانتهاكات المرتكبة ضد حقوق الإنسان للجماعة المستهدفة أو ان يوجد تاريخ من الإبادة الجماعية والتمييز ضدها ، ويؤدي هذا إلى الاعتقاد بأنه إذا افلت الآخرون بارتكاب الإبادة الجماعية في الماضي ، فلن يكون هناك عقاب هذه المرة .

- الإبادة الجماعية في العراق:-

جمهورية العراق : يسمى العراق بلاد وادي الرافدين نسبة إلى نهري دجلة والفرات اللذان ينبعان من تركيا، ويصبان في الخليج العربي بعد ان يكونا شط العرب جنوبا، العراق متعدد الأديان والمذاهب والقوميات. غالبية الشعب العراقي يدين بالديانة الإسلامية مع وجود من يدينون بالديانة المسيحية والصابئة والايزيدية. اللغة الرسمية في العراق هي العربية والكردية. يشتهر العراق بأنه بلد (( القباب الذهبية )) التي يكسوها الذهب الخالص في المدن المقدسة : النجف الأشرف وكربلاء المقدسة و الكاظمية المقدسة وسامراء المقدسة و يتألف العراق من 19 محافظة. تأسست الدولة العراقية منذ 1921 ووضع لها أول دستور دائم عام 1925 في ظل نظام ملكي ثم انقلب إلى جمهوري في 14 تموز عام 1958 إلا ان نظام الحكم اتخذ شكلا فردياً دكتاتورياً منذ عام 1968 حيث مر العراق بعدد من الحروب والتي بدأها بحرب الخليج الأولى بدءاً من أيلول عام 1980 إلى آب عام 1988. وحرب الخليج الثانية 1991، وحرب الخليج الثالثة 2003 والتي أحدثت تغييراً في شكل نظام الحكم من نظام دكتاتوري فردي شديد المركزية إلى نظام حكم ديمقراطي تعددي فدرالي.

تعد حقوق الإنسان من المواضيع المهمة والحيوية في المجتمعات الإنسانية التي فيها انظمة حكم ديمقراطية قائمة على احترام القانون والتعددية السياسية ونظام المؤسسات الدستورية. ذلك لأن للإنسان قيمة عليا في المجتمع المدني وتسخر كل الإمكانات لراحته منذ المراحل الأولى وحتى الوفاة . وتزداد هذه الأهمية في العالم يوما بعد يوم حتى أصبح مقياس رقي الشعوب والدول في مدى الاحترام الطوعي للقانون والالتزام بهذه الحقوق وفي توفير سبل الحياة والاحترام للبشر. وأضحت هذه المسألة قضية مهمة تتابعها الأطراف الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية ونشأة المحاكم المختصة في العديد من الدول بسبب الانتهاكات البليغة لحقوق الإنسان وإهدارها من مختلف الأنظمة السياسية وبخاصة المستبدة منها . كالنظامين الدكتاتوريين الفاشي في ايطاليا والنازي في ألمانيا ونظام الحكم في العراق الذي مارس أبشع أنواع البطش والإرهاب بحق الشعب العراقي من إلغاء للحريات ومصادرة الحقوق وزجه لألوف من المواطنين في المعتقلات والسجون السرية والعلنية. وهناك الكثير من الانتهاكات التي حفل بها الواقع العراقي في ظل الدكتاتورية السياسية ومنها :

أولا-انتهاكات الحقوق السياسية في العراق :

ان من أهم الحقوق السياسية هي المشاركة في السلطة وحرية الرأي والتعبير والحق في الحياة، وحق كل فرد في حريته وسلامته الشخصية والحق في تشكيل النقابات والأحزاب السياسية والانضمام إليها، والحق في الأمن والاحترام والكرامة للجميع دون استثناء وحق المعارضة. ومن بين هذه الحقوق التي حرم منها الشعب العراقي حق الانتماء السياسي ومن يجازف فأنه سيعرض مصيره للموت الحتمي ، أو يتهم بالخيانة والعمالة والتجسس .

ثانياً-قمع الحريات العامة ومصادرة الحقوق:

   سعى هذا النظام إلى فرض نظرية الرأي الواحد والثقافة البعثية الواحدة ولأجل هذا عمدت أجهزة النظام القمعية على تصفية العديد من الرموز الوطنية والدينية من علماء وأدباء ومثقفين لا لذنب .اكما ان لحصار الثقافي الذي فرضه النظام البائد على الشعب العراقي من خلال سيطرته على حركة الكتاب وتداوله بين القراء وفي أسواق الكتب المكتبات 

ثالثاً-انتهاكات الحقوق المدنية:

ان من أهم الحقوق المدنية هي الحق في الجنسية ولأهمية التمتع بالجنسية اعتبرتها الأمم المتحدة من الحقوق الأساسية للإنسان ونصت على ذلك في المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي جاء فيها ان من حق كل إنسان التمتع بجنسية ما، وانه لا يجوز حرمان احد من جنسيته تعسفا ولا من حقه تغييرها، تعتبر الجنسية الرابط القانوني بين الفرد والدولة. وعلى أساسها تترتب علاقة قانونية بين الطرفين تقوم الدولة بحماية الفرد وتأمين حقوقه الإنسانية الأساسية ، ان الحرمان من الجنسية هو خرق لقواعد القانون الدولي وانتهاك لحقوق الإنسان الأساسية. بأن ((الدولة عندما تحرم أنساناً تحرمه من كافة حقوقه )) ورغم المواثيق الدولية الخاصة بالجنسية ومصادقة العراق على هذه الاتفاقيات فقد عمل النظام السابق على إسقاط الجنسية العراقية عن نحو نصف مليون عراقي. 

نال التركمان في عهد النظام البائد حصتهم من الظلم والجور والتشرد والتهجير والتعذيب في السجون والمعتقلات إلى غير ذلك من الوسائل الوحشية الهمجية التي لا تمت للإنسانية بصلة. فقد نفذت أحكام الإعدام بأعداد لا يستهان بها من الشباب التركمان من سكنة مناطق تسعين وبشير وتازة وطوزخورماتو وتم نفي مئات الآخرين منهم في مشاهد لاإنسانية حيث تم هدم عدد كبير من القرى والقصبات رغم كونها كانت آهلة بالسكان البسطاء الآمنين. نصت المادة (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966 على ان (( لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق وجودها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي))






الشرط الجزائي 

عماد وسمي شياع المالكي 

في بعض الحالات، يتفق المتعاقدان مسبقًا في أحد بنود العقد على

 مبلغ التعويض الذي يتعين على المدين دفعه إلى الدائن في حال عدم تنفيذه لتزامنه أو في حالة تأخره في ذلك. هذا الشرط ملزم وصحيح لأنه يتماشى مع النظام العام ويشمل تعويضًا اتفاقيًا يتفق عليه المتعاقدان، ويُعرف أيضًا باسم الشرط الجزائي؛ حيث يحدد المبلغ جزافةً وقد يكون أكبر من الضرر الفعلي للدائن نتيجة للتأخير أو عدم التنفيذ. ويُشير الشرط الجزائي إلى تقدير هذا التعويض مسبقًا باتفاق المتعاقدين في العقد.

شروط استحقاق الشرط الجزائي تتمثل في وجود خطأ من المدين يتمثل في عدم تنفيذ التزامه أو تأخره في ذلك، ووجود ضرر يصيب الدائن نتيجة لذلك، ووجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر. وينشأ التعويض عن العقد نفسه لعدم تنفيذ المدين لالتزامه أو تأخره في ذلك، بينما يعتبر الشرط الجزائي تقديرًا مسبقًا لهذا التعويض يتفق عليه المتعاقدان في العقد.

القانون المدني قد تطرق إلى الشرط الجزائي، وفي المادة (170) منه، يُسمح للمتعاقدين بتحديد قيمة التعويض مسبقًا في العقد أو في اتفاق لاحق، مع مراعاة بعض الأحكام الخاصة بهذا الشأن. ويحق للمدين إثبات عدم تكبُّد الدائن أي ضرر، ويمكن تخفيض التعويض إذا كان التقدير مبالغًا فيه، أو إذا تم تنفيذ الالتزام جزئيًا. ويُعتبر أي اتفاق يخالف هذه الأحكام باطلاً. وفي حال تجاوز الضرر قيمة التعويض المتفق عليه، يُمنع الدائن من المطالبة بمبلغ أكبر إلا إذا أثبت أن المدين ارتكب غشًا أو خطأً جسيمًا. 

 



نبذة تاريخية عن الحضارات العراقية القديمه

د. سمية عبد الوهاب محمد

sumaya.abd2204p@cofarts.uobaghdad.edu.iq

mimi_ alt@mtu.edu.iq.com

mimi.abd2007@gmail.com

964+ 07906401234

مقدمة عن التأريخ العراقي القديم بدءاً من الحضارة السومرية والآشورية والبابلية وصولاً الى الحضارة الاسلاميه دليل اهتمام الانسان الرافديني بالحلي ، وتحديد وتشخيص خصائصها الشكلية والجوهرية ، النظام التصميمي المتبع في الفن العراقي المعاصر وكان لها حضور في ذاكرة المصمم الصناعي والمقتني على حد سواءف قد تم طرحها وفق تسلسلها التاريخي ( الحضارة السومرية والآشورية والبابلية ).

الحضارة السومرية

مما  لاشك فيه ان في تناول الحديث عن حضارة بلاد الرافدين ، لا بد من التطرق من صنع هذا الشموخ الحضاري والمحصلة إن الانسان السومري يتصدر مركز الصدارة مقارنةً للأقوام التي سكنت العراق القديم ، فضلاً عن الأقوام المختلفة الأخرى . لقد عاش الانسان السومري في الجزء الجنوبي من السهل الرسوبي لبلاد الرافدين وقد جاءت تسميتهم من اسم بلاد سومر ، وهي المنطقة التي سكنوها وقد أطلقوا عليها اسم ( كي إن كي KI-EN-GI) التي تعني حرفيا ارض سيد القصب ([1]) .

 وإن مصطلح KI-EN-GI يرجع الى اسم قديم من أسماء مدينة نفر والتي تعد من اهم المدن السومرية كونها مركز العباده واحتوائها على معبد الاله ( إنليل ) ؛ في حين يذهب آخر الى ان المصطلح هو مقطع مركب يتألف من الكلمات (Ki = بلد ) و( انكي = الإله انكي اله مدينة اريدو ) ليصبح المعنى كاملا ً ارض أو بلد الإله انكي ([2]) . في حين اطلق عليها  الاكديون مات شوميريم ( Mat Sumerim) والتي تقابلها بالسومرية كلمة ( KA-LAM) التي تعني بلاد السومريين) [3] ) ، وورد اسمها في التوراة بإسم( سهل شنعار ) ([4]).

وأكدت بعض الدراسات في بيان أصل السومريين مستنداً على  اللغة وإلى الآثار الفخارية او الهياكل العظمية ولم يتوصل البحث العلمي والتنقيبات إلى نتيجة مفادها إنحدار السلالات البشرية المعاصرة لا تمت بالجنس السومري بأي صلة مباشرة  ([5]) .

هناك من لاحظ ان السومريين يستعملون في لغتهم لفظة ( كـــُر Kur) بمعنى جبل او بلاد ؛ والجبل من المظاهر الطبيعية غير المتوفرة في بيئة السومريين في جنوب بلاد الرافدين ، مضافاً الى ذلك ظهور المصطبة ( الزقورة ) التي صارت المعابد تبنى فوقها كشكل يوحي الى الحياة الجبلية ([6]) ، كما لاحظ بعض الباحثين ان السومريين اهتموا برسم الاشكال الجبلية العالية والحيوانات الجبلية على الاختام الاسطوانية ، كما نعتت بعض الالهه نعوت حيوانات جبلية مثل وعل الابسو الذي كان يطلق على الالة ( انكي = أيا) ، وكل هذه الملاحظات باجتماعها دفعت البعض الى القول بان السومريين نزحوا من مناطق جبلية الى السهل الرسوبي في العراق وصولا ً الى سواحل الخليج العربي([7]).

ولابد من طرح  إن الفن في وادي الرافدين كان إرثاً لفن السحر والدين امتد من عصور ما قبل التأريخ تحول من الرغبه السحرية إلى الرغبة الدينية لقيادة المجتمع ممتزجة برغبة ثانية الا وهي (خلود الذكر) التي تمخضت عن الرغبة الأصلية في الخلود(3) .

فقد أتخذ  السومريون المنهج التجريبي ، في البدأ بالجزئيات ومن ثم الانتقال إلى الكليات ، بالتركيز على الأجزاء والناتج هو الكل وكانت التجربة هي أساس المعرفة ، والسومريون تجريبيون مثاليون فهناك توجه واضح نحو القيم المثالية المطلقة انعكاسا لبنيتهم الفكرية ، ويعتمدون التناظر والمحورية والأشكال المطلقة([8]) . 

ويصنف ( هربت ريد) الفن وعلاقته بالمجتمع بعده فناً اجتماعياً كونه يقدم توضيح  لأفكاراً  تخص الطبيعة المقبولة للفرد والمجتمع ولابد إن يكون (هادفاً ، تربوياً ، طقوسيا ً، اختبارياً ) وبالأصل ذا طبيعة دلالية (2) .

وازدهرت الفنون وتطورت نتيجة لإزدهار الحضارة في العراق القديم وتحديداً في مدنه السومرية المختلفة إذ كان الفنانون يصوغون أعمق المفاهيم الفنية ويقدمون للعالم انفس الاعمال الفنية والتي بقيت حتى يومنا هذا مثار للإعجاب إن قصة نشأت هذا الفن العريق وتطوره لم ياتي اعتباطاً وإ نما كانت هناك مسارات موفقة لهذا النمو والتطور ففي لقى العصر الحجري القديم ابتكر الانسان العراقي الخرز المحززة والمنقوشة في ( تل الصوان) جنوب سامراء في الالف السادس قبل الميلاد تحديداً تم العثور على انواع مختلفة من اللازورد والعقيق والشذر والصدف والعظام وكانت هذه اللقى تعلق على رقاب التماثيل بواسطة الاصماغ النباتية او القير الذي كان يستخرج من عيون النفط المنتشرة في سهل جنوب العراق ( شنعار) أن في استعمال هذه القلائد والحلي الزجاجية مثل التطور الاجتماعي وخطوة بإتجاه الرقي الجمالي لدى الفرد العراقي إضافة إلى أنها شكلت بدايات  أولية لنمو الشعور الديني إذ تولد لديهم إعتقاد بأن هذه الدمى لها القدرة خفية على التأثير بمصير الانسان لهذا فإنهم كانوا يقدمون هذه القلائد النفسية تقربا ودرءاً لشرها المحتمل .


لقد عثر المنقبون في مقابر ( اور) على مجموعة من القلائد النفيسة المكونة من الحجر ( السليماني) النادر المؤطر بالذهب والمرصع باللؤلؤ ، وعثروا أيضا على خرز من العقيق الاحمر مربوطة بسلك متين مصنوع من الفضة وقد كتبت كلمات مسمارية على الحجر ( السليماني ) تشير إلى ان ملك ( اور) الذي كان يسمى ( امرس) قدم هذه القلادة النفيسة إلى رئيسة الكاهنات في معبد ( آي أنا) لإمتلاكها تأثيرا دينيا على ابناء المدينة ([9])  والشكل (1) يوضح فيه القلائد السومرية.

 

 


ويشكل الفن والإبداع قيمة جمالية مظهراً للتطور الحضاري الذي وصله العراقيون القدمماء إنموذجاً لثورة علمية لا تقل عما وصلته البشرية في قرنها الحادي والعشرون مع حساب فارق الزمن والقلائد والمنمنمات والدبابيس والتراجي والخواتم كانت مكملات لزينة المرأة آنذاك . إن ما وصل الته  ( أور) قبل ( 2450 ق. م )  شكل حالة متطورة في الصياغة والتطعيم  إذ اكتشف المنقبون في المقبرة الملكية في المقبرة الملكية في اور 1982 نماذج رائعة وتثير الإعجاب لقلائد من العقيق واللازورد والتي كانت تزين رقاب النساء وشعورهن من ملكات وأميرات وحتى كاهنات المعابد ففي قبر ( مس كلام دك ) وقبر الاميرة ( مو آبي ) عثر على مصوغات ذهبية واحجار كريمة تعج آية في الإبداع وتدل على الحالة المتميزة التي  وصلها فنا الصياغة والتطعيم قي المدن السومرية المختلفة ، في مدينة ( كيش ) السومرية عثر على قلائد من خرز 

طويلة معينية الشكل ومدورة مصنوعة من حجر كلسي ملون إضافة ما وجد في ( تل خفاجي) في في ديالى و ( تل أجرب ) ويعود زمن هذه القلائد إلى منتصف الالف الثالث كل هذه القلائد والخرز النفيسة تشير بوضوح إلى حالة الإبداع الفني للفنان العراقي وتؤكد في الوقت نفسه نمو عنصر الخيال في نفسية الفنان العراقي قديماً مما أهله لأن يكون قائداً مبكراً لمسيرة الحضارة الانسانية ويعكس فضل العرافين على البشرية وكيف  أنهم تحملوا مسؤولية نقل البشرية من عصور الهمجية والتوحش إلى عصور الرقي والحضارة والسمو المعرفي وهذه المقتنيات التي وصلتنا تشكل جزءاً يسيراً مما تركوه للأجيال وتدل ايضا على عظمة الحضارة التي ابتكروها . إن الحضارة العراقية هي حصيلة لجهود العراقيين القدماء عبر آلالاف السنين تلك الحضارة التي اينعت ثمارها في سومر وآكد وآشور وبابل ونينوى ونفر وخورسباد وربما حضارة تعود إلى أزمنة سحيقة وتحديداً لعصور ما قبل التأريخ إذ فاجأ المنقب الالماني ( هرتسفلد) العالم بالحقائق التي توصل إليها من خلال تنقيباته التي اجراها في خرائب مدينة سامراء ( سر من رأى) التي بناها الخليفة العباسي المعتصم بالله وتحديداً تحت الاثار الاسلامية بإكتشافه للمصوغات والقلائد التي تعود إلى عصر ( دور الصوان) هو الحد الفاصل ما بين الارض والكنيسة  والارض الغرينية  التي كانت تشكل عموم بلاد سومر وأكد وبابل والشكل (2) يوضح فيه القلائد المقصبة ([10]).

 

 


 



 الحضارة البابلية


تقع مدينة بابل على نهر الفرات الذي كان يمر في وسطها تقريبا ويخترقها من الشمال إلى الجنوب ، مستطيلة الشكل يحيط بها سوران وخلفهما خندق ماء وللسور الداخلي ثماني بوابات ومن أشهرها ( بوابة عشتار) ا لتي تمر منها المواكب الملكية  البابلية ، تفردت حضارة بابل العظيمة بقصورها الضخمة التي تقع خلف جداري شارع الموكب ، كان  القصر الشمالي أوسع القصور ، والقصر الجنوبي يقع مدخله في شارع الموكب أما القصر الصيفي فهو أكثر القصور ارتفاعا بحيث سمي(جبل بابل) ، وقد اكتشفت ( الجنائن المعلقة) في مدينة بابل وتعتبر أحدى عجائب الدنيا السبع في العالم توج نبوخذ نصر 605 ق.م على بابل وكان عهده أزهى العهود في تاريخ العراق القديم أنتشر نشاطه العمراني في جميع أنحاء العراق ، إذ إعاد بناء المعابد في كل مدينة ذات شأن وأعاد بناء مدينة بابل وصارت عنوان حضارة وادي الرافدين ، ومركزا للعراق لخمسة عشر قرنا وعاصمة لعشر سلالات والشكل (3) يوضح شارع الموكب بابل (بابل) متحف البرغامون – برلين 360.



وإن الفنان أستخدم الرموز الجزئية كدلالات اجتماعية دينيه كان يرسم وجه اله بعين واحده تعبيراً عن الشر، والحقيقة ان الفن البابلي بما أعطاه  للأعضاء من أمكانية كبيرة على الحركة ، إن شخوصه وأشكاله الفنية كانت على هذا النحو تأخذ إحجامها ليس من وجودها الفعلي، بقدر ما كانت تأخذ أحجامها من دلالاتها المعنوية و الرمزية لدى المجتمع، فقد إن تكون الأفعى طويلة  أكثر وكثر من طولها الحقيقي (11)، إن الفن الرافديني القديم رسم الرؤية الاجتماعية التي كانت سائدة في كل عصر من العصور فالرؤية الاجتماعية الدينية غلبت على الفنين السومري والبابلي في بلاد وادي الرافدين فالدلالات الاجتماعية في هذا الفن تظهر واضحة في أغلب الاعمال التي كشفت عنها التنقيبات مما جعل امكانية معرفة الظروف الاجتماعية في ذلك العصر من خلال تلك الاعمال.

الحضارة الآشورية. 

تعتبر مدينة ( آشور)  العاصمة الأولى للأشوريين ، ويطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى الآلهة (آشور) وتقع أطلالها اليوم على بعد 80 كم جنوب مدينة الموصل في الجهة اليمنى من نهر دجلة ، وكانت مدينة آشور سنة 1362 ق.م عاصمة الإمبراطورية الآشورية  الواسعة، وبنى شلمنصر الثالث معبدي (آشور) و (عشتار) المميزين ، تميز الآشوريين  في استخدام التعدين بسبب إنفتاحهم  مع الشعوب المجاورة في الهضاب الشمالية لهذا  من الممكن أن يُقال إن الآشوريين بعد أن قوي أمرهم بسبب تحضرهم بحضارة الحديد قد عملوا على الإتصال إلى غيرهم من شعوب سهول الشرق الأوسط . وبجانب أسبقية الآشوريين في التعرف على حضارة الحديد ، فأنه لم تبد في الشرق الأوسط عوامل هامة تحول دون استمرار نمو قوتهم السياسية العسكرية والاقتصادية([11]) ، فضلا عن الحديد فقد اُستخدمت الفضة كمعيار ثابت في كل تاريخ بلاد مابين النهرين باستثناء حقبتي العصر البابلي الذي كانت فيه الذهب والفضة متساويين في القيمة، وفترة العصر الآشوري الوسيط الذي أصبح القصدير واسطة التبادل في بلاد آشور([12]).

الذهـب : عُرف بالمقطع السومري KU3-GI([13])  يرادفه بالأكدية hurasu([14])  وقد استخدم الذهب منذ الألف الرابع  ق.م  في  بلاد الرافدين  لكن استخدامه أزداد مع بداية العصور التاريخية ، إذ  دخل هذا المعدن النفيس في صناعة التماثيل  والأسلحة الخاصة  بالملوك  والآلهة إضافة إلى استخدامهِ في عمل الحلي وأدوات الزينة والخيوط الخاصة بتزيين الأنسجة والملابس([15]).

الفضـة : عرفت بالمقطع السومري KU3-BABBAR([16]) يرادفه بالأكدية( Kaspum)([17]) وقد تزامنت معرفة الإنسان لمعدن الفضة مع معرفته للذهب وذلك منذ الألف الرابع ق.م  ولكنها لم تستخدم على نطاق واسع إلا في بداية العصور التاريخية إذ  دخلت الفضة في العديد من الصناعات منها صناعة الحلي وأدوات الزينة كما استخدمت للزخرفة حيث عملت بشكل أسلاك ثبتت على الملابس، قطع الأثاث وأبواب القصور والمعابد(1) وكانت الفضة مقياساً لتقييم الأشياء فلقد أستخدمها العراقيون القدماء إلى جانب معدن الذهب في عمليات التبادل التجاري ولتقييم الأجور([18]).فقد استخدموها على نطاقٍ واسع منذ العصر الآشوري القديم وتشير إلى ذلك العديد من المصادر المسمارية والتي تذكر أشكال وكميات الفضة المستخدمة لهذا الغرض(4).


النحـاس: عرف بالمقطع السومري (URUDU)([19]) يرادفه بالأكدية erum إذ يعد معدن النحاس من أقدم أنواع المعادن التي عرفها الإنسان في بلاد الرافدين في حوالي الألف السادس ق.([20]) وقد دخل في عمل الآلات والأدوات المستخدمة في الصيد والزراعة منها الفؤوس والخناجر وغيرها وكان الأسلوب المتبع في صناعته بطرقهِ وهو بارد ، وبعد ذلك أي في نهاية الألف الرابع ق.م عرف الحرفي عملية التلدين أي صهر المعدن ثم تبريده وبهذا تمكن من تشكيله بأحجام وأشكال مختلفة ([21]) ، والشكل (4) يوضح بعض من المجوهرات الآشورية.





[1]  -Halloran ,John . A : Sumerian lexicon ( Version 3.0 ) http://www.sumerian.org/ . p.p.12.18.20 . 

 

[2]  - جورج رو : العراق القديم ، ص 585 .

[3]  - Halloran ,John . A : Sumerian lexicon , p.100 .

[4] -  سامي سعيد الاحمد : العراق القديم ، ج1 ، ص 226 .

[5]  - فاضل عبد الواحد علي : من ألواح سومر إلى التوراة ، ( بغداد – 1987) ، ص 226

[6]  - هاري ساكز : عظمة بابل . ترجمة عامر سليمان ( الموصل – 1979) ، ص 53 .

[7]  - فاضل عبد الواحد علي : من الواح  سومر الى التوراة ، ص 26 .

      سامي سعيد الاحمد : السومريون ، ص 6 .

      عامر سايمان ، احمد الفتيان : محاضرات ، ص 75 .

[8] . عبد الرزاق عبد الوهاب د. جنان ، جدلية التواصل في العمارة العراقية ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ،2003، ص179

 

[9] . صالح محمد جاسم ، كنوز ونفائس من تأريخ العراق القديم ، العربية لمطبوعات الاطفال ، بغداد العراق 2018م ص25.

[10] . المصدر السابق (ص8،9)

 

[11] . عوض ، رياض : مقدمات في فلسفة الفن ، ط1 ، طرابلس ، لبنان ، 1994، ص 28 .

[12]. الجادر، وليد "العجلة وصناعة التعدين" موسوعة العراق في موكب الحضارة ج:1  1988، ص104

 

[13]. MDA, No.468, P.211

 

[14]. CAD, “H”, P.245b.FF.

 

[15]. الجادر، وليد "صناعة التعدين" حضارة العراق ج2، بغداد 1985، ص250

 

[16] MDA, No.468, P.211.

[17] CAD, “K”, P.127

 

[18] . للمزيد عن نصوص سلالة أور الثالثة يراجع: Salonen, Op.Cit. , P.250

 

[19] Ibid, P.251

[20] إسماعيل، بهيجة خليل. " المستعمرات التجارية الآشورية في الأناضول " مجلة النفط والتنمية العدد 7-8   1981، ص52

[21] Maryon, H and Plenderleith, H.J “ Fin Metal Work ” in C. Singer, A History of  Technology. Vol “1” Oxford, 1958, P.624

اخر منشور

منشورات شائعة