الإبادة الجماعية
عيسى قاسم العبد
مجلة بغداد للعلوم الانسانية
Genocide
Issa Qasim Al-Abd
Baghdad Journal for Human Sciences
أقرت الأمم المتحدة اتفاقية تقضي بمنع جرائم الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها في 9 كانون الأول/ديسمبر1948. واعتبرت هذه الاتفاقية (( الإبادة الجماعية )) بمثابة جريمة دولية تتعهد: الدول الموقعة عليها (( بمنعها والمعاقبة عليها )) . والإبادة الجماعية:تعني ارتكاب أي عمل من الأعمال الآتية بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية، لجماعة ما : على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين، مثل:
أ- قتل أعضاء الجماعة .
ب- إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة.
ج- إلحاق الأضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بشكل متعمد بهدف التدمير الفعلي للجماعة كلياً أو جزئياً.
د- فرض إجراءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة .
ه- نقل الأطفال بالإكراه من جماعة إلى أخرى .
وفي الوقت الذي شهد فيه التاريخ العديد من الحالات التي يستهدف فيها العنف الجماعات المختلفة وحتى منذ بدء سريان الاتفاقية، تركز التطور الدولي والقانوني للمصطلح حول فترتين تاريخيتين بارزتين: الفترة الأولى وهي الفترة التي بدأت منذ صياغة المصطلح وحتى قبوله كقانون دولي (1944- 1948) والفترة الثانية هي فترة تفعيله في ظل تأسيس المحاكم العسكرية الدولية للبت في جرائم الإبادة الجماعية (1991- 1998). غير ان منع الإبادة الجماعية باعتباره الالتزام الرئيسي الآخر للاتفاقية يظل التحدي الذي تواجهه الدول والأفراد باستمرار.
كان التاريخ الإنساني مليئا بالمجازر التي ارتكبت من قبل الدول على المستويين الداخلي ضد شعوبها والخارجي ضد الشعوب الأخرى. ورغم كثرة مجازر الإبادة الجماعية إلا انه لم يُشر إلا إلى تلك التي حدثت في القرن العشرين. بذل المجتمع الدولي محاولات لتطوير القانون الدولي وخاصة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وكان تركيزه على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لذلك ليس مصطلح الإبادة مصطلحا وصفيا فحسب بل مصطلحا قانونيا اليوم . على هذا الأساس لا يعني المصطلح مجازر ضد المدنيين بشكل عام بل الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة. ولما كانت هذه الإبادة من الجرائم الدولية التي لا يسري عليها التقادم، فمن باب أولى ان لا يسري على ذكرها التقادم أيضا .
كانت المحكمتان الدوليتان بسبب عمليات الإبادة في رواندا والبوسنة أول التطبيق للاتفاقية عمليا. وفي 1998 حُكما مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا السجن لمدى الحياة وبينهما "جان كمباندا" الذي كان رئيس الوزراء في بداية عملية الإبادة والذي اعترف بمسؤوليته عن إبادة المدنيين التوتسيين. عمليات الإبادة
شهدت الحرب العالمية الثانية قتل لحوالي 11 مليون مدني، من بينهم أشهر عمليات الإبادة هو ما قام به النازيون ضد المعارضون السياسيين والغجر والعديد من الشعوب الألمانية, ومن جرائم الإبادة وحالات الأفعال المشتبه بها في القرن العشرين هي:
1. المجازر الفرنسية في الجزائر من سنة 1830حتى 1960م.
2. الإبادة الأرمنية .
3. الإبادة الأوكرانية .
4. الإبادة الكمبودية .
5. الإبادة في رواندا .
6. الإبادة في البوسنة .
شهد التاريخ الإنساني لعدة حالات من القتل الجماعي، ولكن تدور المناقشة عن استخدام مصطلح الإبادة الجماعية بنسبة لها حول قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة لأن هذا القصد هو الجزء الأساسي في الإبادة الجماعية ولكن صعب التدليل. لذلك مصطلح الإبادة الجماعية والمنظمة غير مستخدم بمعناه القانوني بالنسبة لبعض الحالات من القتل الجماعي ويسبب استخدامه أو عدم استخدامه صراعا أساسياً في بعض الحالات الأخرى، منها :
1. غزو المغول لبغداد .
2. إبادة الأمريكيين الأصليين (الهنود الحمر) .
3. إبادة هيروشيما .
4. مجازر ضد الفلسطينيين من قبل اليهود .
5. الاحتلال الصهيوني لفلسطين .
-منع الإبادة الجماعية
كانت الحاجة إلى منع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها موضع اهتمام المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وعُرفت الإبادة الجماعية بأنها جريمة بموجب القانون الدولي في اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 (اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها). وتجعل هذه الاتفاقية من ارتكاب الإبادة الجماعية أو التخطيط أو التآمر لارتكابها، أو التحريض أو دفع الآخرين إلى ارتكابها، أو الضلوع أو الاشتراك في أي عمل من أعمال الإبادة الجماعية، جريمة من الجرائم. واليوم فإن جميع الحكومات ملزمة بحكم هذا القانون سواء وقعت هذه الاتفاقية أو لم توقع عليها. وبالرغم من الاتفاقية فقد حدثت فظائع هائلة منذ ذلك الحين، منها الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، أبرزت فشل المجتمع الدولي في تحويل منع الإبادة الجماعية إلى واقع .
الإبادة الجماعية ليست شيئا يحدث بين ليلة وضحاها أو دون سابق إنذار. بل هي في الواقع إستراتيجية متعمدة. وتدرك آثار الإبادة الجماعية خارج حدود البلد المتضرر منها لأنها تؤثر سلبا على سلامة السكان في المناطق المجاورة, فاليوم لا تزال آثار الإبادة الجماعية. وتأثير جريمة الإبادة الجماعية على الأجيال المقبلة هائل حقا.
-علامات الإنذار بحدوث الإبادة الجماعية :
قام المستشار الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية بجمع قائمة بعلامات الإنذار التي تشير إلى تعرض مجتمع من المجتمعات لخطر الإبادة الجماعية أو الفظائع المشابهة وهي تشمل ما يلي
1. أن تكون للبلد حكومة شمولية أو قمعية لا تقبض على زمام السلطة فيها إلا فئة واحدة .
2. أن يكون البلد في حرب أو ان تسوده بيئة من عدم احترام القوانين يمكن ان تحدث فيها المذابح بدون ان تلاحظ بسرعة أو توثق بسهولة .
3. ان تكون جماعة أو أكثر من الجماعات الوطنية أو العرقية أو العنصرية أو الدينية هدفا للتمييز أو تستخدم كبش فداء لتحميلها مسؤولية الفقر أو غيره من المشاكل الاجتماعية التي تواجه البلد حاليا .
4. ان يوجد اعتقاد أو نظرية تقول بان الجماعة المستهدفة اقل من مستوى البشر، فهي (( تجرد من الإنسانية )) أعضاء هذه الجماعة وتبرر ارتكاب العنف ضدهم. وتنشر الرسائل والدعاية التي تدعم هذا الاعتقاد من خلال وسائل الإعلام أو في التجمعات (( تجمعات الكراهية )) و(( رسائل الكراهية )) .
5. ان يوجد قبول متزايد للانتهاكات المرتكبة ضد حقوق الإنسان للجماعة المستهدفة أو ان يوجد تاريخ من الإبادة الجماعية والتمييز ضدها ، ويؤدي هذا إلى الاعتقاد بأنه إذا افلت الآخرون بارتكاب الإبادة الجماعية في الماضي ، فلن يكون هناك عقاب هذه المرة .
- الإبادة الجماعية في العراق:-
جمهورية العراق : يسمى العراق بلاد وادي الرافدين نسبة إلى نهري دجلة والفرات اللذان ينبعان من تركيا، ويصبان في الخليج العربي بعد ان يكونا شط العرب جنوبا، العراق متعدد الأديان والمذاهب والقوميات. غالبية الشعب العراقي يدين بالديانة الإسلامية مع وجود من يدينون بالديانة المسيحية والصابئة والايزيدية. اللغة الرسمية في العراق هي العربية والكردية. يشتهر العراق بأنه بلد (( القباب الذهبية )) التي يكسوها الذهب الخالص في المدن المقدسة : النجف الأشرف وكربلاء المقدسة و الكاظمية المقدسة وسامراء المقدسة و يتألف العراق من 19 محافظة. تأسست الدولة العراقية منذ 1921 ووضع لها أول دستور دائم عام 1925 في ظل نظام ملكي ثم انقلب إلى جمهوري في 14 تموز عام 1958 إلا ان نظام الحكم اتخذ شكلا فردياً دكتاتورياً منذ عام 1968 حيث مر العراق بعدد من الحروب والتي بدأها بحرب الخليج الأولى بدءاً من أيلول عام 1980 إلى آب عام 1988. وحرب الخليج الثانية 1991، وحرب الخليج الثالثة 2003 والتي أحدثت تغييراً في شكل نظام الحكم من نظام دكتاتوري فردي شديد المركزية إلى نظام حكم ديمقراطي تعددي فدرالي.
تعد حقوق الإنسان من المواضيع المهمة والحيوية في المجتمعات الإنسانية التي فيها انظمة حكم ديمقراطية قائمة على احترام القانون والتعددية السياسية ونظام المؤسسات الدستورية. ذلك لأن للإنسان قيمة عليا في المجتمع المدني وتسخر كل الإمكانات لراحته منذ المراحل الأولى وحتى الوفاة . وتزداد هذه الأهمية في العالم يوما بعد يوم حتى أصبح مقياس رقي الشعوب والدول في مدى الاحترام الطوعي للقانون والالتزام بهذه الحقوق وفي توفير سبل الحياة والاحترام للبشر. وأضحت هذه المسألة قضية مهمة تتابعها الأطراف الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية ونشأة المحاكم المختصة في العديد من الدول بسبب الانتهاكات البليغة لحقوق الإنسان وإهدارها من مختلف الأنظمة السياسية وبخاصة المستبدة منها . كالنظامين الدكتاتوريين الفاشي في ايطاليا والنازي في ألمانيا ونظام الحكم في العراق الذي مارس أبشع أنواع البطش والإرهاب بحق الشعب العراقي من إلغاء للحريات ومصادرة الحقوق وزجه لألوف من المواطنين في المعتقلات والسجون السرية والعلنية. وهناك الكثير من الانتهاكات التي حفل بها الواقع العراقي في ظل الدكتاتورية السياسية ومنها :
أولا-انتهاكات الحقوق السياسية في العراق :
ان من أهم الحقوق السياسية هي المشاركة في السلطة وحرية الرأي والتعبير والحق في الحياة، وحق كل فرد في حريته وسلامته الشخصية والحق في تشكيل النقابات والأحزاب السياسية والانضمام إليها، والحق في الأمن والاحترام والكرامة للجميع دون استثناء وحق المعارضة. ومن بين هذه الحقوق التي حرم منها الشعب العراقي حق الانتماء السياسي ومن يجازف فأنه سيعرض مصيره للموت الحتمي ، أو يتهم بالخيانة والعمالة والتجسس .
ثانياً-قمع الحريات العامة ومصادرة الحقوق:
سعى هذا النظام إلى فرض نظرية الرأي الواحد والثقافة البعثية الواحدة ولأجل هذا عمدت أجهزة النظام القمعية على تصفية العديد من الرموز الوطنية والدينية من علماء وأدباء ومثقفين لا لذنب .اكما ان لحصار الثقافي الذي فرضه النظام البائد على الشعب العراقي من خلال سيطرته على حركة الكتاب وتداوله بين القراء وفي أسواق الكتب المكتبات
ثالثاً-انتهاكات الحقوق المدنية:
ان من أهم الحقوق المدنية هي الحق في الجنسية ولأهمية التمتع بالجنسية اعتبرتها الأمم المتحدة من الحقوق الأساسية للإنسان ونصت على ذلك في المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي جاء فيها ان من حق كل إنسان التمتع بجنسية ما، وانه لا يجوز حرمان احد من جنسيته تعسفا ولا من حقه تغييرها، تعتبر الجنسية الرابط القانوني بين الفرد والدولة. وعلى أساسها تترتب علاقة قانونية بين الطرفين تقوم الدولة بحماية الفرد وتأمين حقوقه الإنسانية الأساسية ، ان الحرمان من الجنسية هو خرق لقواعد القانون الدولي وانتهاك لحقوق الإنسان الأساسية. بأن ((الدولة عندما تحرم أنساناً تحرمه من كافة حقوقه )) ورغم المواثيق الدولية الخاصة بالجنسية ومصادقة العراق على هذه الاتفاقيات فقد عمل النظام السابق على إسقاط الجنسية العراقية عن نحو نصف مليون عراقي.
نال التركمان في عهد النظام البائد حصتهم من الظلم والجور والتشرد والتهجير والتعذيب في السجون والمعتقلات إلى غير ذلك من الوسائل الوحشية الهمجية التي لا تمت للإنسانية بصلة. فقد نفذت أحكام الإعدام بأعداد لا يستهان بها من الشباب التركمان من سكنة مناطق تسعين وبشير وتازة وطوزخورماتو وتم نفي مئات الآخرين منهم في مشاهد لاإنسانية حيث تم هدم عدد كبير من القرى والقصبات رغم كونها كانت آهلة بالسكان البسطاء الآمنين. نصت المادة (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966 على ان (( لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق وجودها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي))