علاقة الباعث بالنية وأثرها فى قيام الجريمة

علاقة باعث بالنية وأثرها في الجريمة 

عبد الرحمن عبد الرزاق عبد اللطيف

رئيس تحرير مجلة بغداد للعلوم الإنسانية

The relationship between motive and intention and its effect on the crime

Abdul Rahman Abdul Razzaq Abdul Latif

Editor-in-Chief of Baghdad Journal of Human Sciences

للباعث علاقة بالجريمة وأهمية في قيام القصد الجرمي لأنه بمثابة نقطة البداية له إلا أننا نلاحظ تباين هذه الأهمية عندما نميز بين القصد الجرمي العام والقصد الجرمي الخاص المتمثل بنية قامت على باعث خاص وهذا ما سوف أوضحه في فرعين وكالآتي:

الفرع الأول

الباعث في الجرائم ذات القصد الجرمي العام

إنّ مضمون القصد الجرمي العام يتحدد بإرادة الفعل المادي المكون للجريمة مع العلم بالعناصر المكونه لها وبذلك تكون عناصر القصد الجرمي العام هي الإرادة والعلم, هذا ويرتبط القصد الجرمي بالباعث من حيث الطبيعة النفسية لكلاهما والدليل على ذلك أن القصد الجرمي يعرف بأنّه: إرادة تحقيق الواقعة الإجرامية مع العلم بعناصرها المكونة لها أي انه اتجاه الإرادة إلى السلوك مع العلم بكافة العناصر التي يشترطها القانون لوجود الجريمة, أمّا الباعث فيُعرّف بأنّه: قوة نفسية شعورية تثير السلوك في ظروف معينة تستمر معه حتى يحقق غايته وهذه القوة لا نلاحظها مباشرة بل نستنتجها من الاتجاه العام للسلوك الصادر عنها. 

من ذلك نستنتج أن القوة النفسية للباعث سواء كانت فطرية أو مكتسبة قد تكون شعورية أو لا شعورية. 

وعلى الرغم من هذا الارتباط النفسي بين القصد الجرمي العام والباعث إلا أنّهما يفترقان عن بعضهما في القيمة القانونية حيث اعتدّ المُشرّع بالقصد الجرمي عند ارتكاب الجريمة وهذا ما أكدته (م33/1) من قانون العقوبات العراقي عندما عرفته بأنّه: هو (توجيه الفاعل إرادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفا إلى نتيجة الجريمة التي وقعت أو أية نتيجة جرمية أخرى), بخلاف الباعث الذي لا يعتد به المُشرّع عند قيام الجريمة ما لم ينص على خلاف ذلك, بمعنى آخر ان المُشرّع قد تطلب في الجرائم العمدية ذات القصد الجرمي العام أنْ يكون الجاني قد أراد الفعل مع العلم بنتيجته أي أنّ النية الجرمية متحققة بغض النظر عن نوع الباعث الذي كان وراء ارتكابها أي أنّ الباعث ليس له أثر في وجودها فيعاقب عليها ولو بقي الباعث من ارتكابها مجهول, ولكن للباعث أثراً في عقوبتها من حيث التخفيف والتشديد فمثلاً جريمة القتل من الجرائم العمدية ذات القصد الجرمي العام لتعدد بواعثها واختلافها من واقعة إلى أخرى كأن يكون الباعث من ارتكابها الانتقام أو الحقد أو لاتقاء العار أو الشفقة على المريض الميؤس من شفاءه وغيره في حين قصدها الجرمي بقي واحدا وهو نية الجاني في إنهاء حياة المجني عليه لذا لم يعتد المُشرّع ببواعث ارتكابها من حيث وجودها وان اعتد بها من حيث عقوبتها. 

مما تقدم ذكره يستنتج الباحث أن المُشرّع لم يعتد بالباعث من حيث وجود الجريمة في الجرائم ذات القصد الجرمي العام على الرغم من أنه كان بمثابة نقطة البداية بالنسبة إلى القصد الجرمي مما يعني أن الباعث هو الذي يولد النية لدى الجاني لتقوم النية بعد ذلك بتوجيه الإرادة مع العلم للقيام بالسلوك الاجرامي.

وللتوضيح: الغريزة الجنسية هي من البواعث الفطرية المشروعة التي أوجدها الله في تكوين الإنسان حيث يتم إشباعها عن طريق الارتباط الشرعي والمتمثل بالزواج إلا أن هذا الباعث ذاته قد يصبح غير مشروع عندما يولد لدى الجاني نية إجرامية لإشباعه عن طريق ارتكاب جريمة الاغتصاب 

الفرع الثاني

الباعث في الجرائم ذات القصد الجرمي الخاص

ذكرنا في الفرع السابق أن القصد الجرمي العام هو إرادة متجهة نحو ارتكاب السلوك الإجرامي فعلا كان أو امتناع مع تحقق العلم بكافة عناصر الواقعة, ولكن هنالك بعض الجرائم التي لا يكتفي فيها المشرع بتوافر القصد الجرمي العام لقيام الجريمة العمدية وإنّما يستلزم أنْ يتوفر لدى الجاني قصداً خاص إلى جانب القصد العام. 

والسؤال الذي يطرح هنا ما هو المقصود بالقصد الخاص؟ 

إن القصد الخاص عبارة عن عنصر إضافي إلى القصد العام أما عن مضمون القصد الخاص فهو نية دفعها إلى السلوك باعث خاص مما يعني ارتباط الباعث بالقصد الجرمي بعلاقة وطيدة حينما يتطلبه المشرع في بعض الجرائم ليجعله من العناصر المكونة للقصد الجرمي تتأثر به الجريمة وجودا وعدما لينتج ما يعرف القصد الجرمي الخاص كما في جريمة التزوير التي لا يكتفي فيها أنْ يكون الجاني قد غير الحقيقة في محرر بإرادته وعلمه بل يجب ان يتوافر فيها قصد خاص والمتمثل بنية استعمال المحرر فيما زور من أجله, وهذا يعني إذا لم يقترن التزوير بنية استعمال المحرر فيما زور من أجله والاحتجاج به كأنه محرر صحيح فهنا لا يمكن مسائلة الفاعل عن جريمة استعمال محرر مزور لانتفاء القصد الجرمي الخاص لديه كما لو قام أُستاذ جامعي باصطناع صك تصدره إحدى المصارف العراقية لاستعماله داخل المحاضرة لإيضاح المادة العلمية.

مما تقدم ذكره يستنتج الباحث ان القصد الجرمي الخاص الذي يتطلبه المُشرّع العراقي في بعض الجرائم العمدية انما هو باعث خاص والذي تُبنى عليه النية الجرمية فيما بعد وهذا ما أكدته المادة (38) من قانون العقوبات العراقي والتي تنص ((لا يعتد بالباعث على ارتكاب الجريمة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك)), بحيث إذا عُدنا إلى بداية نص (م38) التي تذكر ((لا يعتد بالباعث على ارتكاب الجريمة)) نستنتج أن النية الجرمية قد بنيت على باعث غير معروف نتيجة تعدده في النوع الواحد من الجرائم العمدية ذات القصد الجرمي العام أي ان كلمة (عام) قد أضيفت إلى القصد الجرمي بسبب تعدد البواعث التي بنيت عليها النية الجرمية ومن ثم فإنّ المُشرّع لا يستطيع أن يعتد ببعضها دون بعضها الآخر لأن ذلك سوف يؤدي إلى إفلات الجاني من العقاب كما في جريمة الخطف التي تتعدد بواعثها كأن تكون الانتقام أو الكره أو الثأر أو مقابل مبلغ من المال أو غيره ومع ذلك نلاحظ ان المُشرّع في منتصف (م38) ذكر عبارة ((ما لم ينص القانون على خلاف ذلك)) أي ان المشرع هنا اعتد بالباعث من حيث وجود الجريمة او انتفاءها ولكن بشكل محدود وتحديدا في الجرائم ذات القصد الجرمي الخاص لأن الباعث هذه المرة من وجهة نظر المُشرّع باعث محدد أي معروف في هذه الجرائم كما في جريمة الاخبار الكاذب حيث يكون الباعث من ارتكابها هو الاضرار بالمجني عليه, وبذلك تكون كلمة خاص قد أضيفت إلى القصد الجرمي لكون الباعث الذي بنيت عليه النية الجرمية باعث محدد بحيث إذا لم يتحقق فإنّ الجريمة تنتفي كما لو كان الاخبار بنية البحث عن شخص مفقود.  



اخر منشور

منشورات شائعة