علاقة علم الاقتصاد بالعلوم الأخرى

     كثيراً ما يستعين المختصون في علم الاقتصاد بالعلوم الأخرى لتفسير الظواهر الاقتصادية حيث أن المشكلة الاقتصادية كثيراً ما ترتبط بشكل أو بآخر بهذا العلم أو ذاك. فمثلاً هناك علاقة بين:

1) علم الاقتصاد وإدارة الأعمال، فالأخير يهتم بالمنشأة والتي هي إحدى اهتمامات علم الاقتصاد، بينما ينظر علم الاقتصاد إلى المنشأة من الخارج ويحلل سلوكها الاقتصادي ينصب اهتمام إدارة الأعمال على المنشأة وقضاياها من الداخل. كذلك تظهر العلاقة واضحة كون عنصر التنظيم هو عنصر من عناصر الإنتاج والمسؤول عن اختيار التوليفة المناسبة من عناصر الإنتاج الأخرى للوصول إلى هدف المنتج أو هدف المنشأة، علماً بأن نظرية الإنتاج تعتبر من ضمن النظريات الاقتصادية لكن لا بد للإدارة الجيدة أو للمدير الجيد أن يكون على علم ومعرفة بالعديد من المسائل الاقتصادية التي تواجهه في حياته العملية، كما لا بد للاقتصادي أن يكون على علم ومعرفة بالعديد من المسائل الإدارية، لهذا نلاحظ أن طلاب الإدارة لا بد أن يدرسوا الاقتصاد، وطلاب الاقتصاد لا بد أن يدرسوا علم الإدارة، ويتم استخدام كثير من المبادئ الاقتصادية في مجال إدارة الأعمال مما جعل الإلمام ببعض أساسيات الاقتصاد من أهم متطلبات تخصص إدارة الأعمال في معظم جامعات العالم.

2) علم الاقتصاد وعلم السياسة، فالسياسي الجيد لا بد أن يعرف شيئاً عن الاقتصاد، لأن أكثر المشاكل التي يواجها رجل السياسة هي المشاكل الاقتصادية لذا لا بد أن يكون على إلمام ومعرفة بأهم المسائل الاقتصادية، حتى عندما يرغب باتخاذ قرار معين خاصة إذا كان هذا القرار يتعلق بمعالجة مشكلة اقتصادية أن يكون هذا القرار حكيماً وعقلانياً وعلمياً، لذا يقال: (السياسة هي اقتصاد مكثف)، وفي نفس الوقت لا بد أن يكون الاقتصادي على معرفة ببعض القوانين والتشريعات وعلى طبيعة الفلسفة التي يؤمن بها النظام السياسي القائم لكي يبني تحليلاته في معالجة بعض المسائل الاقتصادية بما يتناسب مع طبيعة تلك الفلسفة وليس مخالفاً لها، فمثلاً أن مشاكل الأرض وفرض الضرائب وتحديد الحد الأدنى للأجور واتخاذ إجراءات الأمن الاجتماعي كلها قرارات سياسية لكنها ذات نتائج وأبعاد اقتصادية كما أنها في الواقع ظواهر اقتصادية ولكن اتخاذ القرار بشأنها لا يتم من قبل الاقتصادي إنما من قبل السياسي لذا تكون هناك علاقة مباشرة أو غير مباشرة في مثل هذه الحالات بين علم الاقتصاد وعلم السياسة.

3) علم الاقتصاد وعلم النفس، يهتم علم النفس بدراسة سلوك وتصرفات الإنسان والدوافع التي تكمن وراء تلك التصرفات، لذلك يهتم الباحث الاقتصادي بمعرف سلوك الفرد عند قيامه بنشاطاته المختلفة والتي تكمن في إشباع الحاجات والرغبات المختلفة والمتجددة وبعد التعرف عليها يقوم الباحث (المنتج) باستقطاب وجذب المستهلكين من خلال التأثير عليهم بالأساليب المختلفة مثل الدعاية والإعلان والترويج لمنتجاته، وما دام علم الاقتصاد يتناول سلوك الانسان عندما يحاول تحديد ماذا سيشتري؟ ولماذا؟ وكيف تكون ردود الفعل لدى المنتج عند اختلاف ظروف العمل؟ وماذا يفعل المستهلكون بدخولهم العالية؟ فإن كل هذا له علاقة بعلم النفس. 

4) علم الاقتصاد وعلوم الفلسفة والاخلاق، فكلاهما يهتم بدراسة السلوك الإنساني ولو من زوايا مختلفة، فالباحث الاقتصادي في حاجة ماسة في التعرف على رغبات الأفراد وميولهم نحو سلعة معينة دون غيرها من أجل توجيه الموارد المحدودة لإنتاج تلك السلع دون غيرها وكذلك من أجل تلافي الهدر والتبذير في الموارد النادرة، ففي الوقت الحاضر يقوم المنتجين بتحديد إنتاجهم من الأنواع المختلفة للسلع والخدمات على أساس الطلب المتوقع، ومن هنا تظهر الأهمية لمعرفة العوامل التي تؤثر في ذلك الطلب ومن ضمنها ذوق المستهلك، الذي يعتبر واحد من المحددات الأساسية التي لا بد على المنتج أن يأخذها بنظر الاعتبار عندما يتجه الى إنتاج سلعة معينة، من ناحية أخرى فإن ضغط العوامل الاقتصادية قد تدفع بعض الإفراد إلى الاتجاه نحو سلوكيات قد تتنافى حتى مع القوانين السائدة أو سلوك غير مقبول اقتصاديا أو اجتماعيا. 

5) علم الاقتصاد والتاريخ، يعتبر علم الاقتصاد على علاقة وطيدة بعلم التأريخ  من خلال دراسته للحوادث الاقتصادية على مر السنيين، فعلم التأريخ يستطيع أن يوفر للاقتصادي التجارب المختلفة التي مرت بها الامم السابقة وكيفية التغلب على المشاكل التي كانوا يواجهونها كدول أو كأفراد ومحاولة تطبيق ما يمكن الاستفادة منه للتغلب على المشاكل والمصاعب الحالية وتجنب ما قد تم تجربته وأثبت فشله، لذلك لا بد من توفر القدرة والرغبة عند الاقتصاديين في الاستعانة بتأريخ الفكر الاقتصادي لمختلف الأمم التي سبقت، والاستفادة من تجاربها التي خاضتها.  

6) علاقة الاقتصاد والاحصاء، يقوم علم الاقتصاد باستخدام علم الإحصاء  كأداة تحليلية. حيث يوجد العديد من الظواهر الاقتصادية تعتمد بشكل رئيسي على استخدام الجداول والبيانات الإحصائية، حيث يتم فيما بعد تحويل تلك الظواهر إلى قيم عددية يمكن التعامل معها من خلال التحليل والتصنيف والتمكن من الوصول إلى أدق النتائج، ومثال ذلك الاقتصاد القياسي والذي يتم فيه الاعتماد تماماً على الأساليب الإحصائية المختلفة. 

7) علم الاقتصاد والرياضيات، كي يقوم الباحث الاقتصادي بإثبات العديد من الظواهر الاقتصادية، يلجأ (في كثير من الأحيان) إلى اعتماد البرهان الرياضي من خلال الاعتماد على معادلات رياضية تربط المتغيرات الاقتصادية في علاقة رياضية صحيحة تسمح باتخاذ القرارات السليمة لحل المشكلات الاقتصادية المختلفة التي تواجه أي اقتصاد في العالم. 

8) علم الاقتصاد والقانون، القانون: هو الأداة التنظيمية التي يلجأ إليها المشرع لوضع القواعد العامة الملزمة في شتى المجالات ومنها الميدان الاقتصادي. فالقانون يحدد طبيعة العلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض من جهة وبين الأفراد والدولة من جهة أخرى، وعادة يعمل علم القانون على دراسة الجوانب ذات الأهمية في الحياة الاقتصادية والعمل على تحليلها ووضع القوانين الملزمة للأفراد والمعاملات الاقتصادية، فمثلاً تنظيم الدولة للأسواق وفرض الرسوم والكمارك والتدخل في تنظيم الأسواق المالية أو حتى تحديد سعر الفائدة كل ذلك يتم بقانون تضعه الدولة، لذا فان كل هذه الأمور لها أثر في الحياة الاقتصادية في كل المجتمعات. 

     وعلى هذا الأساس يمكن القول أن هناك علاقة وثيقة لعلم الاقتصاد ليس فقط مع العلوم السابقة وإنما مع العديد من العلوم الأخرى، فعلم الاقتصاد له علاقة أيضاً بالعلوم الطبيعية فما دامت الفعاليات الاقتصادية كالإنتاج ذات علاقة بعوامل الطبيعة مثل المطر والشمس وغيرها من عوامل الطبيعة، وهناك علاقة بين علم الاقتصاد وعلم الاجتماع، حيث أن بعض المشاكل الاقتصادية كانخفاض مستوى المعيشة للأفراد يقود الى مشاكل اجتماعية.

     هذه العلاقة الوثيقة بين علم الاقتصاد والعلوم الأخرى لا تنفي مطلقاً أن يكون لكل علم خاصيته المتميزة، وأن كان يتقارب مع علم الاقتصاد سواء في مضمونه أو في طريقة بحثه، لكن من المؤكد أن تطور علم الاقتصاد وتقدمه لا يمكن أن يتم دون ربطه بمختلف العلوم الأخرى. 


اخر منشور