قارة آسيا من منظور سياسي
كنار سعيد سليمان
مجلة بغداد للعلوم الإنسانية
The continent of Asia from a political perspective
Canar Saeed Suleiman
Baghdad Journal for Human Sciences
تحظى قارة آسيا باهتمام عالمي متزايد حتى أنه أصبح من الكلام المألوف القول إنها قارة المستقبل، وأن القرن الحادي والعشرين، هو قرن القارة الآسيوية، ولعل مرجع ذلك عدة عوامل في مقدمتها:
1- التجارب التنموية الرائدة والمتنوعة في القارة الآسيوية والتي أصبح يطلق عليها لقب المعجزة فهناك المعجزة اليابانية والمعجزة الصينية والمعجزة الهندية كما أن هناك النمور الآسيوية .
2- الظروف البالغة الصعوبة التي تواجه كل تجربة من هذه التجارب الآسيوية الثلاث الكبرى. فاليابان هزمت في الحرب العالمية الثانية وتم احتلالها وهي دولة تكاد تكون بلا موارد طبيعية. والصين كانت في حالة سياسية واقتصادية بالغة التدهور كما عانت من الحرب الأهلية في فترة ما بين الحربين العالميتين ثم من الثورة الثقافية (1966- 1976) فضلاً عن ضغوط سياسية وعسكرية واقتصادية متنوعة، والهند خرجت من السيطرة الاستعمارية ثم من حرب الاستقلال عام 1947 وخاضت حروبا عديدة مع الصين عام 1962 ومع باكستان عام 1965 ثم حرب انفصال أو استقلال بنغلادش عام 1972 .
3- أن الدول الثلاث سارت كل منها في طريق مختلف عن الأخرى، فاليابان شاركت في الركب الأمريكي، والهند في إطار عدم الانحياز، والصين في الإطار الشيوعي.
4- أن كلا من الدول الثلاث بها كثافة سكانية ضخمة .
ولفهم هذه التجارب الآسيوية لابد من إلقاء نظرة عامة على قارة آسيا من حيث السمات والدلالات :
أولاً: السمات/
القارة الآسيوية تمثل مساحة ضخمة مترامية الأطراف فهي أكبر قارات العالم كما قلنا ولها سمات من ابرزها :
الأولى: أنها قارة الحضارات، ففي شرقها نشأت الحضارة الصينية العريقة بإنجازاتها الكبرى المعروفة في التاريخ مثل اختراع البارود والكتابة، وفي غربها نشأت الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام وما قدمته من فكر ومبادئ للعالم، وفي وسطها أو بالأحرى جنوبها حيث شبه القارة الهندية وإيران قدمت للعالم حضارتين من أعرق الحضارات وهما الحضارة الهندية القديمة والحضارة الفارسية، وقدمت تلك المنطقة للعالم ثلاثة أديان هامة هي البوذية والهندوسية والباريسية أي عبادة النار، وكل من هذه الأديان اتسمت بمبادئ هامة أثرت في الأديان السماوية التي ظهرت في غربي آسيا، وفي الشرق ظهرت عقيدتان أو مذهبان هما: الشنتوية في اليابان، والكونفوشية في الصين. وهناك أديان أقل أهمية وانتشاراً مثل السيخية والبهائية وغيرها.
الثانية: أنها قارة الكتل البشرية الضخمة، ففي آسيا أكبر دولتين في العالم من حيث السكان وهما الصين والهند، وبها أربع دول أخرى من الدول الكبرى على المستوى العالمي من حيث السكان وهي إندونيسيا وبنغلادش وباكستان واليابان، إذن سكان آسيا يمثلون أكثر من نصف سكان العالم بأسره. وهذه الكتلة البشرية تعيش في حالة من الفقر والتخلف والجهل ومن ثم فهي تعد رصيداً خطيراً لإحداث القلاقل والاضطرابات العسكرية واجتماعية .
الثالثة: أنها قارة النهضة المستقبلية، ففي آسيا توجد اليابان صاحبة ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة، وبها الصين صاحبة أكبر معدل نمو اقتصادي في العالم على مدى العشرين سنة الماضية، وبها عدة دول ومناطق حققت طفرات اقتصادية هامة أطلق عليها النمور الآسيوية مثل تايلاند وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وماليزيا، وبها أسواق مالية وبورصات من أكبر الأسواق على المستوى العالمي مثل سنغافورة وهونغ كونغ وشنغهاي وطوكيو.
الرابعة: أنها قارة أكبر مخزون استراتيجي للطاقة، سواء في الطاقة التقليدية مثل الفحم في الصين، أو الطاقة الحديثة مثل النفط والغاز في منطقة الخليج، وآسيا الوسطى، وجنوب شرقي آسيا مثل إندونيسيا وشرقي آسيا مثل الصين، أو حتى في مخزون الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وكلاهما تمتلك منه قارة آسيا مالا تمتلكه قارات أخرى.
الخامسة: أنه بينما تتجه القارات الأخرى للتوحد فيما بينها اقتصادياً أو سياسياً أو ثقافياً فإن قارة آسيا تتسم بالتنوع الشديد فيما بين دولها اجتماعياً وثقافياً وأيضاً اقتصادياً، وبعدم التناسق بل التنافس الذي يقرب من التصارع بين دولها في كل منطقة فرعية من مناطقها، فعلى سبيل المثال التنافس الصيني الياباني الراهن والذي غذته مطامع تاريخية يابانية ليس فقط بالنسبة للصين، وإنما بالنسبة لشبه الجزيرة الكورية، ولجنوب شرقي آسيا في إطار مشروع النظام الآسيوي الكبير أثناء فترة ما بين الحربين العالميتين، والذي وجد تطبيقاً جزئياً في غزو اليابان وتوسعها في تلك المناطق. وهذا لا يشكل حدثاً من أحداث الماضي بل يمثل خلفية تاريخية تظهر في شكل حساسيات سياسية ما تزال قائمة، وايضا أيضاً التنافس أو التصارع في شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان هذا التصارع الذي أدى إلى اندلاع ثلاث حروب بينهما أعوام 1947، 1965، 1971، وإصرار هاتين الدولتين على امتلاك السلاح النووي في مايو 1998، وهذا محصلة عملية تقدم علمي مستمر عبر ثلاثين سنة، وخلافات متراكمة في علاقات البلدين، وحرص كل منها على الدفاع عن ذاتها، كما في حالة باكستان، أو تأكيد ذاتها إقليمياً وعالمياً كما في حالة الهند، يضاف إلى ذلك وجود منافس آخر هو إيران، والتي شاء لها الحظ أن يكون لها ثلاثة أذرع أولها مع آسيا الوسطى وثانيها تجاه الهند وباكستان وثالثها تجاه الخليج العربي ، وهناك تنافس على مستوى أقل بين دول الهند الصينية وبخاصة سعي فيتنام لتكون الشقيق الأكبر لكل من لاوس وكمبوديا.
السادسة: هناك كتلة آسيوية ممتدة تتمثل في ثلاث قوى وهي: دول آسيا الوسطى بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، إثر انحلاله، وهذه كتلة هامة من حيث الثقافة الإسلامية، ومن حيث التخلف الاقتصادي والسياسي، ومن حيث الموارد الاقتصادية وبخاصة البترول والغاز، ومن حيث الصراع السياسي في محاصرتها بكل من الصين شرقاً والاتحاد الروسي غرباً وشمالاً، والخليج والمنطقة العربية جنوباً، فهي إذن في موقع استراتيجي بالغ الأهمية والخطورة ولذلك لا عجب أن نجد الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في هذه المرحلة، تركز جهودها على تلك المنطقة ، والقوة الآسيوية الثانية هي الاتحاد الروسي في بُعده الآسيوي، وهذه لها دلالاتها وارتباطاتها مع آسيا تاريخياً، ومع الصين واليابان في شرق آسيا، حيث أقامت روسيا علاقة شراكة استراتيجية مع الصين، وما تزال تغازل اليابان اقتصادياً وسياسياً، كما أن علاقاتها وثيقة مع دول جنوب آسيا وبخاصة الهند ومع دول الخليج وإيران حيث يسود التنافس والتصارع على الموارد والسياسات، والقوة الآسيوية الثالثة أو بالأحرى قوة شبه آسيوية هي أستراليا حيث التنافس عبر المحيط الهادي، ولكنه منذ أواخر القرن العشرين امتد إلى جنوب شرقي آسيا، وفي القرن الحادي والعشرين اتجه للتوسع في الشرق الأوسط وبخاصة دور أستراليا في العراق، ومن هنا فإن الدور الأسترالي نشط على الساحة الإقليمية والدولية، فتزعمت عملية مساندة انفصال تيمور الشرقية عن إندونيسيا، كما ساندت عملية السلام في كمبوديا، وتسعى للعب دور في أفغانستان والعراق، وهو دور بصفة عامة يقوم على المساعدة والمساندة للسياسة الأمريكية.
السابعة: أنه لا يوجد تنظيم إقليمي شامل يغطي المنطقة الآسيوية فهناك تجمع دول مجلس التعاون الخليجي، وتجمع السارك لدول جنوب آسيا وتجمع الأسيان بتنوعاته (آسيان+ (الصين - اليابان - كوريا الجنوبية) والأسيان + الشراكة والتي تضم الهند، وتجمع ايبك APEC لدول حوض المحيط الهادي، والذي يعد أهم تلك التجمعات العالمية، ويركز على الاقتصاد والتعاون الاقتصادي، ويضم بالإضافة لدول آسيا الشرقية والجنوبية الشرقية كلا من استراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة والاتحاد الروسي وغيرها، وهناك تجمع دول الكومنولث المستقلة، وهناك مجموعة شنغهاي التي تضم الصين وروسيا ودول وسط آسيا الإسلامية، ويركز على المفهوم الأمني وهكذا تجمعات عديدة ومتداخلة.
The continent of Asia is receiving increasing global attention, to the point that it has become fashionable to say that it is the continent of the future, and that the twenty-first century is the century of the Asian continent. This may be due to several factors, foremost of which are:
1- The pioneering and diverse development experiences on the Asian continent, which have come to be called the miracle. There are the Japanese miracle, the Chinese miracle, the Indian miracle, and there are the Asian tigers.
2- The extremely difficult circumstances facing each of these three major Asian experiments. Japan was defeated in World War II and occupied, and it is a country with almost no natural resources. China was in a very deteriorating political and economic situation. It also suffered from the civil war in the period between the two world wars and then from the Cultural Revolution (1966-1976), in addition to various political, military and economic pressures. India emerged from colonial control and then from the War of Independence in 1947 and fought many wars. With China in 1962 and with Pakistan in 1965, then the war of secession or independence of Bangladesh in 1972.
3- The three countries each took a different path from the other. Japan participated in the American bandwagon, India in the non-aligned framework, and China in the communist framework.
4- Each of the three countries has a huge population density.
To understand these Asian experiences, we must take a general look at the continent of Asia in terms of its characteristics and connotations:
First: Features/
The Asian continent represents a huge, sprawling area. It is the largest continent in the world, as we said, and it has features, the most prominent of which are:
The first: It is the continent of civilizations. In its east, the ancient Chinese civilization arose with its major achievements known in history, such as the invention of gunpowder and writing, and in its west, the three heavenly religions of Judaism, Christianity, and Islam arose and the thought and principles they presented to the world, and in its center, or rather its south, where the Indian subcontinent and Iran presented it to the world. Two of the most ancient civilizations, namely the ancient Indian civilization and the Persian civilization, and that region presented to the world three important religions: Buddhism, Hinduism, and Parisianism, that is, the worship of fire. Each of these religions was characterized by important principles that influenced the heavenly religions that appeared in Western Asia, and in the East two doctrines or doctrines appeared: : Shintoism in Japan, and Confucianism in China. There are less important and widespread religions, such as Sikhism, Baha'i, and others.
Second: It is a continent of huge human masses. Asia has the two largest countries in the world in terms of population, which are China and India, and it has four other countries that are among the largest countries on the global level in terms of population, which are Indonesia, Bangladesh, Pakistan, and Japan. Therefore, the population of Asia represents more than half of the population of the entire world. . This human mass lives in a state of poverty, backwardness, and ignorance, and is therefore considered a dangerous asset for causing military and social unrest and unrest.
Third: It is the continent of future renaissance. In Asia, there is Japan, which has the second largest economy in the world after the United States, and it has China, which has the largest economic growth rate in the world over the past twenty years, and it has several countries and regions that have achieved important economic booms called the Asian Tigers, such as Thailand, Singapore, South Korea, Taiwan, and Malaysia, and it has financial markets and stock exchanges among the largest markets in the world, such as Singapore, Hong Kong, Shanghai, and Tokyo.
Fourth: It is a continent with the largest strategic energy reserve, whether in traditional energy such as coal in China, or modern energy such as oil and gas in the Gulf region, Central Asia, and Southeast Asia such as Indonesia and East Asia such as China, or even in renewable energy reserves such as solar energy. And wind energy, both of which Asia possesses in abundance that other continents do not possess.
Fifth: While other continents tend to unite among themselves economically, politically, or culturally, the continent of Asia is characterized by extreme diversity among its countries socially, culturally, and also economically, and by a lack of consistency, but rather a competition that approaches conflict between its countries in each of its sub-regions. For example, competition The current Sino-Japanese one, which was fueled by Japanese historical ambitions, not only for China, but also for the Korean Peninsula, and for Southeast Asia within the framework of the Great Asian System project during the interwar period, which found partial application in Japan’s conquest and expansion in those regions. This does not constitute an event of the past, but rather represents a historical background that appears in the form of political sensitivities that still exist, and also the rivalry or conflict in the Indian subcontinent between India and Pakistan, this conflict that led to the outbreak of three wars between them in the years 1947, 1965, and 1971, and the insistence of these two... The two countries agreed to possess nuclear weapons in May 1998, and this is the result of a process of continuous scientific progress over thirty years, and accumulated differences in the relations of the two countries, and the keenness of each to defend itself, as in the case of Pakistan, or to assert itself regionally and globally, as in the case of India, in addition to This is due to the presence of another competitor, Iran, which has the good fortune to have three arms, the first with Central Asia, the second with India and Pakistan, and the third with the Arabian Gulf. There is competition on a lower level between the countries of Indochina, especially Vietnam’s quest to be the bigger brother of both Laos and Cambodia.
Sixth: There is an extended Asian bloc represented by three powers: the Central Asian countries after their independence from the Soviet Union, following its dissolution. This is an important bloc in terms of Islamic culture, in terms of economic and political backwardness, in terms of economic resources, especially oil and gas, and in terms of political conflict. Being surrounded by China to the east, the Russian Federation to the west and north, and the Gulf and the Arab region to the south, it is therefore in a very important and dangerous strategic location. Therefore, it is not surprising that we find the United States, the only superpower at this stage, focusing its efforts on that region.