الاستقلال الاداري والمالي للهيئات المستقلة
تتمتع الهيات المستقلة بالاستقلال ، ولعل هذا الاستقلال ليس مطلقا ؛ وإنما نسبيُ كما عبر عنه الفقيه الانكليزي Howard Machin، إذ يتعذر بموجب العقل والمنطق الإقرار بوجود هيآت سائبة في النظام القانوني للدولة ، وينبني على ذلك إن خضوع الهيآت المستقلة للرقابة البرلمانية والرقابة القضائية لا يمس بأي حال من الأحوال باستقلاليتها ؛ فالبرلمان بوصفه المعبر عن إرادة الشعب يراقب السلطة التنفيذية ، والهيآت المستقلة بوصفها سلطة إدارية لا تستثنى من هذا المبدأ ، كما تخضع للرقابة القضائية حالها في ذلك حال الأشخاص الأخرى تبعاً لمبدأ الولاية العامة للقضاء كما سنلاحظ ، لذا فان تقرير الرقابة البرلمانية والقضائية يعد أمراً مستقراً في النظم الدستورية الحديثة ؛ إذ يمثلان دعائم مبدأ المشروعية ودولة القانون ، يضاف إلى ذلك هذا الاستقلال يتفاوت من هيأة مستقلة إلى أخرى ، أي ان الهيآت المستقلة عموماً لا تتمتع بالدرجة نفسها من الاستقلال.
من ذلك إذا ما أردنا تحديد معنى الاستقلال بصورة دقيقة نقول إن الاستقلال إنما يكون في مواجهة السلطة التنفيذية . لكن إذا كان الأمر كذلك فما المقصود بهذا الاستقلال ؟
يراد بالاستقلال عدم خضوع الهيآت المستقلة للرقابة الرئاسية أو الوصائية ، كما لاتتلقى أوامر أو تعليمات من جهة أخرى ، فضلا عن ان السلطة التنفيذية لاتتمتع بحرية في عزل أعضائها ، وفي المقابل يقتضي القول ان الاستقلال لايعني انها تعمل بمعزل عن الأهداف الحكومية ؛ بل هي هيآت ساندة للحكومة.
ويذكر إن المحكمة الاتحادية العليا في العراق تعرضت لتحديد معنى الاستقلال الفني في رأيها الاستشاري بخصوص استفسار مجلس النواب – لجنة النزاهة عن معنى الاستقلال الوارد في المادة (102) من الدستور وجاء في الرأي: (...وضعت المحكمة الاتحادية العليا الاستفسار موضع التدقيق والمداولة وتوصلت إلى ان الاستقلال المقصود في المادة (102) من الدستور هو ان منتسبي الهيأة وكلا حسب اختصاصه مستقلون في أداء مهامهم المنصوص عليها في قانون الهيأة لا سلطان عليهم في أداء هذه المهام لغير القانون ، ولا يجوز لأي جهة التدخل أو التأثير على أداء الهيأة لمهامها الا ان الهيأة تخضع لرقابة مجلس النواب في أداء هذه المهام ، فإذا ما حادت عنها أو تجاوزتها فان مجلس النواب يملك لوحده محاسبتها ، ويتخذ الإجراء المناسب في ذلك بها ، ومعنى ذلك إن هذه الهيأة تدير نفسها بنفسها وفقا لقانونها شانها شان البنك المركزي الذي يتمتع بهذه الاستقلالية لتمكينه من أداء مهامه دون تدخل من إحدى الجهات)( )