اثار سحب الثقة من الوزارة في النظام البرلماني

   

دراسة مقارنة

دكتور رافع خضر صالح شبير

كريم لفتا مشار آل- جيراهي 

Effects of withdrawal of confidence

a comparative study

P.Dr. Rafe Kheder Saleh Shuber

Kareem Lefta Mishare   



الملخص

يترتب على قرار سحب الثقة من الوزارة آثار هي استقالة الوزارة، وتحول الوزارة إلى حكومة تصريف أعمال يومية اتفقت الدساتير على أن النتيجة المترتبة على سحب الثقة من الوزارة هي استقالة الوزارة في حالة المسؤولية التضامنية ، وأن الوزارة تعتبر مستقيلة بمجرد أن يحصل طلب سحب الثقة بالوزارة أو الاقتراح بعدم الثقة على أغلبية عدد الأعضاء المكونين للمجلس التشريعي، إلا أنه قد يحدث العكس أي يسقط الاقتراح السالف ويتحول الأمر إلى إقتراح بالثقةالنتيجة الحتمية المترتبة على سحب الثقة ، استقالة الوزارة كلها في حالة المسؤولية التضامنية ، أو استقالة الوزير أو الوزراء الذين صدر قرار سحب الثقة متعلقاً بهم في حالة المسؤولية الفردية، ولكن منذ متى تعتبر الوزارة التي تسحب منها الثقة مستقيلة ؟ أجابت عن هذا السؤال صراحة بعض الدساتير()، ومنها دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، ففي حالة المسؤولية التضامنية قرر الدستور ذلك في القرة(ج) من البند(ثامناً) من المادة (61)، فقد نصّت على أن (تعد الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء .) ، وهذا الحكم منطقي ، ويتفق مع مبدأ إلزام القرار الصادر من مجلس النواب بسحب الثقة فلا يحتاج هذا الحكم إلى تقديم الوزير أو رئيس مجلس الوزراء استقالته.وإن الأعمال العادية التي تقوم بها حكومة تصريف الأعمال اليومية هي أعمال الإدارة البحتة ، التي لا تنطوي على الالتزام بسياسة جديدة ، ولا تعرض مسؤولية الوزارة أو احد أعضائها إلى نتائج سياسة ، مادامت هذه الوزارة فقدت الثقة التي تتمتع بها من جانب مجلس النواب ، ولم يعد بوسعها اتخاذ قرارات سياسية.


 The effects of withdrawing confidence from the ministry, a comparative study

The decision to withdraw confidence from the ministry has consequences, which are the resignation of the ministry, and the ministry is transformed into a caretaker government. The constitutions have agreed that the result of withdrawing confidence from the ministry is the resignation of the ministry in the case of joint liability, and that the ministry is considered resigned as soon as a request to withdraw confidence in the ministry or proposal occurs. A vote of no confidence on the majority of the members composing the Legislative Council. However, the opposite may happen, i.e. the previous proposal is dropped and the matter turns into a proposal of confidence. The inevitable result of the withdrawal of confidence is the resignation of the entire ministry in the case of joint liability, or the resignation of the minister or ministers in relation to whom the decision to withdraw confidence was issued. In the case of individual responsibility, but since when is the ministry from which confidence is withdrawn considered resigned? Some constitutions have explicitly answered this question, including the Constitution of the Republic of Iraq for the year 2005. In the case of joint liability, the Constitution stipulates that in Paragraph (C) of Clause (Eighth) of Article (61). It stipulates that (the ministry shall be considered resigned in the event of Withdrawal of confidence from the Prime Minister. This ruling is logical, and is consistent with the principle of binding the decision issued by the House of Representatives to withdraw confidence. This ruling does not require the minister or the Prime Minister to submit his resignation. The normal work carried out by the caretaker government on a daily basis is the work of administration. Pure, which does not involve commitment to a new policy, and does not expose the responsibility of the ministry or one of its members to policy outcomes, as long as this ministry has lost the confidence it enjoyed on the part of the House of Representatives, and can no longer make political decisions.

مقدمة


 يترتب على قرار سحب الثقة من الوزارة آثار هي استقالة الوزارة، وتحول الوزارة إلى حكومة تصريف أعمال يومية ، لذا قسم هذا المطلب إلى فرعين، سيتم بيان أثر الاستقالة في الفرع الأول، وتحول الوزارة إلى حكومة تصريف أعمال يومية في الفرع الثاني.

الفرع الأول: الاستقالة

 اتفقت الدساتير على أن النتيجة المترتبة على سحب الثقة من الوزارة هي استقالة الوزارة في حالة المسؤولية التضامنية ، وأن الوزارة تعتبر مستقيلة بمجرد أن يحصل طلب سحب الثقة بالوزارة أو الاقتراح بعدم الثقة على أغلبية عدد الأعضاء المكونين للمجلس التشريعي، إلا أنه قد يحدث العكس أي يسقط الاقتراح السالف ويتحول الأمر إلى إقتراح بالثقة  .

 وقد كان من المتوقع أن تكون المسؤولية السياسية للوزارة في انجلترا ذات خطورة عالية، خاصة إن الإجراءات التي تتبع بشأنها بسيطة ، فيكفي لإسقاط الوزارة أغلبية عدد النواب الحاضرين بجلسة الاقتراع ، إلا أن العكس كان هو الصحيح ، حيث توقفت منذ نهاية القرن التاسع عشر ، ولم تطبق لحد الآن إلا ثلاث مرات ، الأولى سنة 1924 عندما لم يحصل أي حزب على الأغلبية البرلمانية ، وحدث ائتلاف وزاري من حزب العمال وحزب الأحرار في مواجهة حزب المحافظين ، وتمكن حزب المحافظين بعد 11 شهر من تشكيل الوزارة أن يسقطها بسحب الثقة منها ، والثانية عام 1950 عندما فاز حزب العمال بأغلبية ستة أصوات ولم يتمكن من الاستمرار في الحكم لضعف الأغلبية ، والثالثة الاقتراح المقدم من حزب المحافظين المعارض في آذار عام 1979 لسحب الثقة من وزارة حزب العمال وتم سحب الثقة من الوزارة المشكلة من حزب العمال بفارق صوت واحد،311صوتا مقابل 310صوتا.

     في حين أن كثير من الاقتراحات بعدم الثقة لم تحظ بالقبول، منها الاقتراح المقدم من قبل حزب العمال المعارض بتاريخ 22/11/1990 لسحب الثقة من وزارة حزب المحافظين وانتهى التصويت لصالح الوزارة، ويرجع الاستقرار الوزاري في انكلترا إلى عدة أسباب ، منها طبيعة النظام البرلماني في انجلترا القائم على الثنائية الحزبية ، فان الحزب الحائز على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية يقوم بمساندة الوزارة بالأغلبية البرلمانية التي تمثله في البرلمان ، عند طرح الثقة بها حتى لا تسقط الوزارة ويضيع الحكم من الحزب ، ليفوز به الحزب المعارض.

 والسبب الثاني هو خشية النواب من فقدهم مقاعدهم البرلمانية في حالة حل المجلس ، فعند حدوث خلاف بين الوزارة والبرلمان، فإن الوزارة قد تلجأ إلى حل البرلمان.

 وفي فرنسا فإن دستور عام1958 نصَّ على انتهاء ولاية الوزارة بخذلان البرلمان لها، وفي هذه الحالة على الوزير الأول تقديم استقالته واستقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية ، وهنا لرئيس الجمهورية أن يقبلها ويسمي وزيراً أول جديد لتشكيل حكومة جديدة ، أو يلجأ إلى حل الجمعية الوطنية ، هذا ويمكن للوزير الأول أن يستقيل منفردا. 

 وقد نصَّ دستور الجمهورية الخامسة على أثر سحب الثقة من الوزارة، بأنه (يجب أن يقدم الوزير الأول استقالة الحكومة لرئيس الجمهورية إذا وافقت الجمعية الوطنية على اقتراح بلوم الحكومة ، أو إذا لم توافق على برنامج الحكومة ، أو بيان لها عن السياسة العامة.

 وكان الرئيس الفرنسي الأسبق شارك ديغول يربط مصير الجمعية الوطنية بمصير اقتراع اللوم ، بمعنى إذا نجحت الجمعية الوطنية في سحب الثقة من الوزارة فإنه كان يعمد لحلها ، وقد طبق ذلك عام 1962، عند قيام الجمعية الوطنية بسحب الثقة من الوزارة بمناسبة اقتراحها مشروعاً لتعديل الدستور من شأنه أن يغير طريقة اختيار رئيس الدولة بالعودة إلى طريق الاستفتاء ، وقد صوت الشعب في الانتخابات الجديدة لصالح الوزارة وعد ذلك انتصاراً لسياسته .

     وإنّ تعقيد الإجراءات المتعلقة بمسألة الثقة بالوزارة والحصر الدقيق لاستعمال اقتراح اللوم واستخدامه وتهذيب وسائل إثارته تعد في نظر بعض الفقه عقلنة للنظام البرلماني في نظام الجمهورية الخامسة في فرنسا ، وقد أدى ذلك إلى ندرة تطبيق المسؤولية السياسية للوزارة في ظل دستور 1958، فأُلغيت المسؤولية الفردية ، وتحققت المسؤولية التضامنية مرة واحدة في 4 تشرين الأول عام 1962 منذ سريان الدستور لحد الآن 2013.

      وفي لبنان فقد قرر دستور عام 1926 المعدل بأنه تعتبر الوزارة مستقيلة في حالة نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناءً على طرحها الثقة، وقد نص الدستور على حالات ، تعتبر فيها الوزارة مستقيلة ومنها سحب الثقة فقد نصَّت الفقرة(و) من البند(1) من المادة(69)على أن (تعتبر الحكومة مستقيلة في الحالات التالية : 1ـ...أ... و ـ عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناءً على طرحها الثقة ...). 

أما في العراق، فإن دستور عام 2005 نصَّ في الفقرة(ج) من البند(ثامناً) من المادة(61) على أن (تعد الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء)، كذلك جاءت المادة(65) من النظام الداخلي لمجلس النواب بالنصّ نفسه الوارد في الفقرة (ج) آنفة الذكر، وبهذا، واستناداً لنصّ الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، فإن الأثر المترتب على سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء هو أنه تعد الوزارة مستقيلة .

الفرع الثانية: تحول الوزارة إلى حكومة تصريف أعمال 

 النتيجة الحتمية المترتبة على سحب الثقة ، استقالة الوزارة كلها في حالة المسؤولية التضامنية ، أو استقالة الوزير أو الوزراء الذين صدر قرار سحب الثقة متعلقاً بهم في حالة المسؤولية الفردية، ولكن منذ متى تعتبر الوزارة التي تسحب منها الثقة مستقيلة ؟ أجابت عن هذا السؤال صراحة بعض الدساتير، ومنها دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، ففي حالة المسؤولية التضامنية قرر الدستور ذلك في القرة(ج) من البند(ثامناً) من المادة (61)، فقد نصّت على أن (تعد الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء .) ، وهذا الحكم منطقي ، ويتفق مع مبدأ إلزام القرار الصادر من مجلس النواب بسحب الثقة فلا يحتاج هذا الحكم إلى تقديم الوزير أو رئيس مجلس الوزراء استقالته.

    وفي لبنان فقد قرر دستور عام 1926 المعدل بأنه تعتبر الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناءً على طرحها الثقة، فقد ذكرت المادة (69) حالات اعتبار الوزارة مستقيلة، ومنها حالة سحب الثقة منها، وجاء في الفقرة(و) من البند(1) من هذه المادة على أن (تعتبر الحكومة مستقيلة في الحالات التالية :... عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناءً على طرحها الثقة ...).

                 أما في العراق في ظل دستور2005 فإن الوزارة تعد مستقيلة من تاريخ قرار سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، ولم يشير الدستور إلى تقديم استقالة رئيس مجلس الوزراء()، فإذا قدم رئيس مجلس الوزراء الاستقالة فيعتبر ذلك عمل تنفيذي للقرار الصادر من مجلس النواب. 

         وإن التفرقة بين حالة اعتباره مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة، وضرورة تقديم الاستقالة بعد صدور قرار سحب الثقة، يترتب عليها نتائج قانونية هامة ، فواضح أنه قد يمضي وقت بين صدور قرار سحب الثقة وتقديم الاستقالة ، وإذا كانت القواعد الدستورية توجب تقديم الاستقالة فور صدور قرار سحب الثقة ، فقد يحدث تلكؤ في تقديمها. 

       فالمسلم به وفقاً لمبادئ القانون العام أنه بمجرد تقديم الاستقالة تدخل الوزارة في فترة ريبه بحيث يقتصر عملها على إصدار القرارات الكفيلة بتسيير العمل اليومي للحكومة ، وإذا أصدرت قرارات لا يتوفر فيها هذا الطابع فإنها تعتبر قرارات باطلة.

        وإن الضرورات المتمثلة في حياة الدولة استناداً إلى مبدأ استمرارية الدولة، هي التي تفرض أن تبقى الوزارة المستقيلة مستمرة في تصريف الأعمال العادية أو الأعمال الجارية، حتى تشكيل الوزارة الجديدة واستلام كل عضو مهام وزارته من سلفه، ويكون ذلك بتكليف يتخذ شكل كتاب بوجهه رئيس الجمهورية إليها ، اثر قبول استقالتها ، وقد نص دستور لبنان لعام1926 المعدل في الفقرة(2) من المادة (64) على أنه (....لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال).

       أما دستور جمهورية العراق لعام 2005 فقد نص في الفقرة(د) من البند(ثامناً) من المادة (61) بأنه (في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأعمال اليومية ، لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً ، إلى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقاً لأحكام المادة 76 من هذا الدستور. ففي حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأعمال اليومية ،وهنا تثار إشكالية الإخفاق في تشكيل الوزارة الجديدة خلال ثلاثين يوماً ، خاصة إن المادة (76) فيها مدة أطول من ثلاثين يوماً فما حكم الوزارة المسحوب منها الثقة ، الأمر بديهي باستمرارها في تصريف الأعمال اليومية استناداً إلى مبدأ استمرارية الدولة ، ولكن ذلك سيتعارض مع المدة المحددة في الدستور، لذا ندعو المشرع الدستوري إلى إيجاد حل لهذه الإشكالية ، ونرى أنه يضاف إلى نص الفقرة (د) من البند (ثامناً) من المادة(61) النص التالي (...وفي حالة الإخفاق في تشكيل الوزارة الجديدة خلال المدة المنصوص عليها في هذه المادة يحل مجلس النواب وتجرى انتخابات جديدة.

 وإن الأعمال العادية التي تقوم بها حكومة تصريف الأعمال اليومية هي أعمال الإدارة البحتة ، التي لا تنطوي على الالتزام بسياسة جديدة ، ولا تعرض مسؤولية الوزارة أو احد أعضائها إلى نتائج سياسة ، مادامت هذه الوزارة فقدت الثقة التي تتمتع بها من جانب مجلس النواب ، ولم يعد بوسعها اتخاذ قرارات سياسية.

 وان المشرع الدستوري العراقي أشار إلى جملة من الاختصاصات التي يتمتع بها مجلس الوزراء في المادة (80) من دستور جمهورية العراق لعام2005م ، وان هذه الاختصاصات التي يتمتع بها مجلس الوزراء الواردة في هذه المادة ، تخرج من نطاق تصريف الأعمال اليومية لأهمية هذه الاختصاصات، وإنها لا تُمارَس إلا من وزارة كاملة الاختصاص ، ويستثنى من ذلك ما ورد في البند (أولاً) من المادة المذكورة والتي جاء في نصه (... الإشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة.) ، وان هذا الاختصاص يفيد قيام مجلس الوزراء بالإشراف على حسن سير العمل في مرافق الدول كافة ، ما يضمن تصريف الأعمال اليومية لتلك الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة لديمومة الحياة في الدولة وعدم توقفها، فهذا الاختصاص ثابت للوزارة سواء أكانت كاملة الاختصاص أم قيدت بتصريف الأعمال الجارية فقط.



اخر منشور

منشورات شائعة