المستفيد من الغش في التشريع الجمركي
الأصل أن المنازعات الجمركية الجزائية جزء من المنازعات الجزائية التي تعرض على القضاء و تطبق عليها ذات القواعد الإجرائية ، غير أن قانون الجمارك تضمن بعض الأحكام المتميزة التــي تخرج عن نطاق و أحكام القانون العام ، مما أضفى عـليها طابعا مميزا جعلها توصف بقانون عقوبـات خاص (1) و تنـصب بالخصوص على قواعد التجريم كالتوسع في تحديد الركن المادي ، و إسهـام السلطة التنفيذية في تحديده و كذا التضييق من نـطاق الشروع في الجريمة و ضعف الركن المعنوي و كذلك من حيث الإثبات و تحديد المسؤولية الجزائية التي تقع أساسا على الفاعل الظاهر في القانـون الجمركي؛ و هـو إما حائز البضاعة محل الغش و إما ناقلها و إما المصرح بها أو الوكيل لدى الجمارك.
و نتيجة لذلك كثيرا ما يفلت من العقاب الجناة الحقيقيون ، و يحل محلهم مجرد وسطاء غالبـا ما تكون مسؤوليتهم دون خـطأ لعدم الاعتداد بالنية في الجرائم الجمركية ، و لقد لطف المـشرع من حدة هذه المسؤولية بحصر نطاقها في المجال الجبائي و اشترط لتطبيق عقوبات الحبس ارتكاب خطأ شخصـي.
إن ما يـضفي هذا الطابع المتميز و الخصوصي للمنازعات الجمركية ؛ سـواء من حيث التجريـم أو من حيث العقاب أو المسؤولية و عبء الإثبات يرجعه الباحثون في هذا المجال إلى سببين أحدهمــا بسيكولوجي و الآخر تقني(2).
أما السبب البسيكولوجي فهو أن الرأي العام لا يستهجن الجريمة الجمركية بقدر ما يستهجن جرائـم القانون العام، و أن مرتكبها يجد تعاطفا بين الناس وحتى في الوسط القضائي لتعلقها بالحقوق و الرسوم المستحقة للدولة في ظل سواد عقلية البايلك.
و أما السبب التقني فيعود إلى تميز الجرائم الجمركية لاسيما التهريب بالسرعة و بالتـالي زوالـها و عدم ثباتها و صعوبة اكتشافها في تلك اللحظة.
و هناك من الدارسين من يضيف(3) أن القانون الجمركي يستمد أسس تشدده في المنازعات الجزائية من أسباب اجتماعية؛ فالرأي العام يتأثر و يتألم من العنف الممارس ضد السلامة الجسدية أكثر من تأثره من الجنحة الضريبية أو الجمركية، و قد ظهر الميل إلى التشدد في العقاب عندما صار المساس الخفـي أو الظاهر بالاقتصاد و الإضرار به من خلال الجرائم الجمركية كبيرا.
أما على صعيد الاعتبارات المحضة للجريمة الجمركية، و زيــادة على كون الغـش الضـريبي يمتـاز بالسرعة ، فإن أولئك الذين يتصرفون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بحسن أو بسوء نيـة في إطـار مخطط الغش، يجب أن يتأكدوا من أنهم سيعاقبون على إتيانهم تصرفا من تصرفات الغش.
و لما كان نظام الاشتراك المنصوص عليه في القانون العام، لا يتسع لاحتواء نطـاق المسؤوليـة الجزائية الجمركية بسبب اشتراطه توافر القصد الجزائي لدى الشريك، لجأ المشرع إلى إحداث نظــام للاشتراك بدون قصد جزائي خاص بالمنازعات لجـمركية و هو ما يسمى بالاستفادة من الغش ؛ و الذي يطبق في أوسـع نطاق ممكن لما يتيحه من مـزايا عملية لا يمكن أن تتحقق في ظل اشتراك القواعـد العامة.
فما هي يا ترى مميزات هذا النظام بالمقارنة مع الشريك في القانون العام؟ و كيف تطـور مفهـوم المستفيد من الغش عبر الحقب الزمنية للسياسة التشريعية في المجال الجمركي؟
و ما هي الآثار و النتائج المترتبة عن قيام المسؤولية عن الاستفادة من الغش؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه الدراسة؛ من خلال التعرض إلى القواعد العامة للاشتراك فـي فصل تمهيدي باعتبار أن الاستفادة من الغش ما هي إلا تطبيق خاص لاشتراك القواعد العامة ، و عليـه ارتأينا أن نبدأ من العام إلى الخاص، و هذا حتى تتضح الفوارق الجوهرية بين المفهوميـن وفي نفـس الوقت لكثرة الإحالة إلى مفهوم الشريك عند دراسة المستفيد من الغش.
أما في الـفصل الأول من هذه الدراسة فنتحدث فيه عن تـطور مفهوم المستفيد من الغـش؛ بـدءا بما جاء في الـنظام التشريعي الفرنسي باعتباره الرائد في هذه النظريـة، وصولا إلى التشريع الجمـركي الجزائري عبر مختلف مراحله، كون هذا الأخير مقتبس من الأول نظرا للاعتبارات التاريخية.
و في الفصل الثاني نتطرق إلى المسؤولية عن الاستفادة من الغش بإبراز أسس قيامها، و تأثيـرها على الغير و النتائج المترتبة عن قيامها من جزاء و تضامن.
كل هذا على ضوء القانون و الآراء الفقهية للمختصين في هذا المجال، و في كنف الممارسات القضائية على أعلى مستوياتها مبرزين في ذلك المزايا من استحداث هذه المؤسسة، سواء الفعالية فـي تحصيل الحقوق و الرسوم المستحقة للخزينة العامة و هي الغاية المباشـرة، أو مرد وديتها فـي قمـع الجرائم خاصة مع الاتجاهات الحديثة لمكافحة التهريب و كل ما له صلة به كالجريمة المنظمة بتأثيراتها السلبية على الصعيد العالمي، خاصة مع توجه الجـزائر إلى الانفتاح على السـوق العالمية بالانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، و ما يفرضه من تشدد في القمع على كل المستويات و منها الجمركي.
و محاولين في نفس الوقت تقريب وجهات النظر بين المفارقات التي قد تحصل عند تطبيق مفهوم المستفيد من الغش، و هذا أمام المحاكم الفاصلة في القضايا الجزائية خاصة مع قصر معرفة القضـاة بالمجال الجمركي هذا من جهة ،و قصر معرفة المهنيين الجمركيين بالمجال القانوني من ج
هة أخرى.