الحريات الفكرية


الحريات الفكرية

محمد مهدي عاشور 

Intellectual freedoms

 Muhammad Mahdi Ashour

تعد الحريات الفكرية من أهم الحريات الإنسانية التي يحتاجها الإنسان في حياته، وذلك لارتباطها الشديد. بجوانبه الروحية والتي تسمح له بتكوين آراءه وأفكاره في مختلف المسائل.

لقد إهتمت المجتمعات الإنسانية في جميع العصور بالحريات الفكرية، كل حسب توازناتها الداخلية وظروفها الخاصة كما ثبتتها الدساتير والقوانين المكملة لها، وتشمل الحريات الفكرية.

1- حرية الرأي والتعبير:-

ويقصد بها أن للإنسان الحرية في التعبير عن رأيه وفكره بأية وسيلة كانت قولاً أو كتابةً أو تصويراً وسائر الوسائل التي تمكنه من التعبير عن رأيه بشرط أن لا يتجاوز القانون ولا تتعارض مع النظام العام.

إذ إعتبرت حرية الرأي والتعبير ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية وهي ضمانة أساسية من ضمانات الديمقراطية، وأحد مظاهرها الأكثر بروزاً لذلك أقرتها الدساتير والنصوص الشرعية والتشريعية كأفة:

وفي مقدمة ذلك الدستور الإسلامي ((القرآن الكريم)) عندما قال تعالى ((وأمرهم شورى بينهم)) وقوله تعالى ((وشاورهم بالأمر))، وذلك للوصول إلى حل المشاكل بأعلى المستويات ولكي لا تكون أمور الحكم تابعة للأهواء الشخصية. وهذا ما أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان / 1948 في المادة التاسعة عشر ((لكل شخص الحق في الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق إعتناق الآراء دون أي تدخل وانتقاء الأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية)).

وبما أن الدستور يقوم بصفة عامة بإقرار وتحديد الحريات العامة فعلى قرارات الحكام في هذا الميدان أن تكون مطابقة للقوانين. ويجب إعتبار هذه الرقابة الضمان الوحيد والأفضل لاختيار الحريات من قبل المجتمع وبهذا الشرط يمكن إعتبار حرية الرأي والتعبير مكفولة ومحمية في دولة القانون، وعلى الرغم من تفاوت الأنظمة السياسية في العالم، فأن الأغلب دساتير العالم ومنها الدول العربية قد إعترفت بصفة عامة بالطابع الأساسي لحرية الرأي والتعبير مع بعض الفوارق أحياناً.

2- حرية المعتقد الديني:-

لم تكن هذه الحرية مكفولة بصورة كبيرة قبل نزول الرسالة النبوية الإسلامية ونزول القرآن الكريم ذلك الدستور الذي لم يترك شئ إلا ونجد نص يعالج ذلك الموضوع، ومن المواضيع المهمة التي تم معالجتها، هي حرية المعتقد الديني، إذ جاء في قوله تعالى ((لا أكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)).

أن الاختلاف في المعتقد الديني لا يقطع سبيل العلاقات الودية كما جاء في قوله تعالى:((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)). (الممتحنة:الآية 8).

كما يحد الله تعالى سبيل الجدل والمناقشة الحسنة في المعتقد الديني كما جاء في قوله تعالى ((أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن))(النحل: الاية125).

ويذكر الله تعالى أن الإختلاف في المعتقد الديني هو أمر طبيعي فيقول ((ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) (يونس: الاية99).

وقد جاء سلوك المسلمين متفقاً مع أمر القرآن، فتضمنت كل كتب الصلح التي عقدوها مع غير المسلمين لتأمين الآخرين على عقائدهم وشعائرهم، فجاء في صلح الرسول (ص) مع نصارى نجران في جنوب الجزيرة العربية ((لنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأراضيهم وملتهم وغائبهم وحاضرهم وبيعهم وكل ما تحت ايديهم من قليل أو كثير ولا يغير أسقف من اسقفتهم ولا راهب من رهبانهم ولا كاهن من كهنتهم وليس عليه دية ولا دم...)).

ولقد أعلنت حرية الدين أو المعتقد الديني في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان كما في نص المادتين (18،4) من العهد الدولي للحقوق المدنية السياسية والمادة (13) من العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية فكل هذه النصوص تضمنت أحكام تتعلق بحق كل شخص لأي إظهار أو ممارسة دينه أو معتقده.

وبذلك يتضح بأن حق الإنسان في حرية الإعتقاد الديني الذي تناولته الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإعلانات العالمية لا يمكن أن ترد عليه قيود غير تلك القيود المنصوص عليها في القانون والتي تعتبر إجراءات ضرورية للمحافظة على الأمن العام في المجتمع وحماية النظام العام والآداب العامة وحماية حرية الآخرين.

3- حرية التعليم:-

إن حرية التعليم من الحقوق الأساسية للإنسان وهي تعني حق الإنسان في تعليم غيره مما يعرفه أو يعتقد أنه يعرفه وهو مظهر من مظاهر حق الأفراد في نقل آرائهم للغير والتعبير عنها.

كما أن التعليم يؤدي إلى أتساع دائرة المعرفة مما يؤدي إلى علاقات طيبة وتعاوناً بين الشعوب وبالتالي إلى احترام الحريات بعضها البعض وهذا ما جاء في الشريعة الإسلامية كما في قوله تعالى:-

((هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)).

((أقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق أقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)). ((وقل ربي زدني علماً)).

وقول رسول الله (ص):

((أطلب العلم من المهد إلى اللحد)).

((أطلبوا العلم ولو كان في الصين)).

وتتضح أهمية التعليم في التطبيق العملي في ظل الفكر الإسلامي في ((واقعة بدر)) عندما أنتصر المسلمون في هذه الحرب وأمر الرسول (ص) أطلاق سراح أسرى المشركين لقاء تعليم كل أسير عشرة من المسلمين لما للتعليم من أهمية بالغة.

وهذا ما أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام / 1948 في المادة (26) منه:

أ‌- لكل شخص حقاً في التعليم، حيث يجب أن يكون التعليم مجاناً وإلزامياً على الأقل في مرحلتي الابتدائية والمتوسطة، ويكون التعليم الفني والمهني متاح للجميع بينما يكون التعليم الجامعي (التعليم العالي) متاحاً لكل من تتوفر فيه شروط هذا التعليم.

ب‌- يجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان كما يعزز الاحترام والتفاهم بين جميع الأمم وجميع الفئات ويقلل العنصرية ويساعد على حفظ السلام الذي تتطلع إليه جميع الأمم.

ج‌- للآباء على سبيل الأولوية حق اختيار التعليم الذي يعطى لأولادهم.

كما كفل الدستور والقوانين العراقية هذا الحق ضمن حدود أمكانية الدولة على أن يكون مجانياً وبجميع المراحل الدراسية، وأن يكون إلزامياً وذلك من أجل مكافحة الأمية والتوسع في التعليم المهني.

وبذلك نرى أن جميع القوانين الإلهية والوضعية أجمعت على حق كل فرد في التعليم وحقه في التمتع بسائر وجوه الثقافة والتقدم العلمي وحق المساهمة في البحث والنشاط العلمي.

4- حرية الصحافة:-

تستمد حرية الصحافة أساسها من حرية الرأي والتعبير، إذ أن حرية الصحافة هي جزء من حرية الرأي، كون الصحافة هي وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي، ولكنها وسيلة كبيرة الانتشار والوصول إلى المواطن لذلك فأن حرية الصحافة لا يمكن فصلها عن حرية الرأي والتعبير حيث نالت الصحافة قانونها الخاص، إذ أصبحت تتمتع بحق نقد الحكومة ومؤسسات الدولة وإجراءاتها دون خوف.

وقد أخر حق الجمهور في الحصول على المعلومات بشأن المبادئ الأساسية بإسهام وسائل الأعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان، إذ ذهب إلى ذلك المؤتمر العام لليونسكو في دورته العشرين لعام 1978. والذي نص في الفقرة الثانية من المادة الثانية على ((وجوب ضمان حصول الجمهور على المعلومات عن طريق تنوع مصادر وسائل الأعلام المهيأة له مما يتيح لكل فرد التأكد من صحة المعلومات والوقائع وتكوين رأيه بصورة موضوعية في الأحداث ولهذا الغرض يجب أن يتمتع بحرية الأعلام وأن تتوفر لديهم أكبر التسهيلات الممكنة للحصول على المعلومات.أن الحرية مهما كان نوعها تنطوي على حدود، وبالتالي فإن حرية الصحافة لا تنجو من هذه القاعدة الأساسية على الرغم من تحفظات البعض بالنسبة لتدخل الدولة في ميدان الحريات الفردية، إلا أن البعض يعتبر هذا التدخل ضرورياً يمارس فيه صالح المصلحة العامة والأخلاق والآداب العامة، فمن الطبيعي ومن العدالة أن تتدخل الدولة لتحديد القيود لهذه الحرية بالنسبة لحقوق المواطن ومصالحه وذلك في أطار المبادئ المعترف بها دولياً.

ففي هذا المجال ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948:-

((أن لا يخضع أي فرد في ممارسة حقوقه وحرياته إلا للقيود التي يقرها القانون مستهدفاً منها حصراً ضمان حقوق وحريات الآخرين واحترامها.

وقد أقر الدستور على ذلك ((الصحافة والطباعة حرتان ضمن حدود القانون ولا يجوز تعطيل الصحف ولا إلغاء امتيازها إلا وفق أحكام القانون

اخر منشور

منشورات شائعة