البناء والاعمار العراقي من ٢٠٠٣ إلى ٢٠٢٤في العراق.
الباحث : عبد الله عبد الرحمن عبد الرزاق
Iraqi construction and reconstruction from 2003 to 2024 in Iraq.
Researcher : Abdullah Abdul Rahman Abdul Razzaq
تواجه صناعة البناء والتطوير العمراني العديد من التحديات خلال الفترة المذكورة. من بين هذه التحديات:
1. الحروب والنزاعات: تأثير الحروب والاضطرابات السياسية على البنية التحتية والتطوير العمراني في العراق كان كبيراً، مما تسبب في تدمير العديد من المنشآت والبنى التحتية وتباطؤ عمليات البناء والتطوير.
2. التحديات الاقتصادية: تدهور الاقتصاد العراقي وتقلبات أسعار النفط كان لها تأثير كبير على صناعة البناء والتطوير العمراني، حيث تقلصت الاستثمارات وتأخرت المشاريع الكبيرة.
3. التحديات البيئية: يواجه العراق تحديات بيئية متزايدة من بينها نقص المياه والتلوث البيئي، مما يؤثر على تخطيط وتنفيذ المشاريع العمرانية.
4. التحديات التقنية: تأثير التطور التكنولوجي في صناعة البناء والتطوير العمراني، مع التحديات المتعلقة بتوفير التكنولوجيا الحديثة وتدريب الكوادر الفنية على استخدامها.
تجدر الإشارة إلى أن العراق يسعى جاهداً إلى تجاوز هذه التحديات وتطوير قطاع البناء والتطوير العمراني من خلال الاستثمار في التحول الاقتصادي وتعزيز البنية التحتية وتحسين بيئة الأعمال.
لقد عانى المجتمع العراقي قبل 2003 وما زال يعاني من العديد من الأزمات المتباينة والمتعددة التي أضنته إلى حدٍ بعيد. ولكن بعد العام 2003 تحديداً، ولحد الآن، شهدَ العراق تشرذماً كبيراً وتصدعاً واضحاً دولةً ومجتمع معاً. ويمّر الآن بمرحلة تشظي في دولته وإنشطاراً في مجتمعه، وهي الاشكالية الأكثر خطورة في تأريخه المعاصر. إنطلاقاً من ذلك، تتناول هذه الدراسة النظرية تحليلاً سيوسيوجياً للواقع السياسي والاقتصادي والمالي، والسكاني والاجتماعي في المجتمع العراقي خلال العقدين الماضيين من الألفية الحالية. وتدرس مَليّاً أزماته التي أهلكته الحروب والحصار والفساد الاداري والسياسي والصراع الطائفي والنعرات السياسية والإقتتال على الهويات الفرعية. توصلت الدراسة إلى أن هذه الأزمات والإشكاليات والتي تم عرضها في ستة مباحث، قد خلّفَت ورائها دولة تنعت بالدولة الفاشلة بإمتياز ومجتمعاً يعاني من شتى المشكلات التي لا تعد ولا تحصى في واقعه السياسي وأمنه الاقتصادي والمالي، وتركيبته السكانية وسلمه المجتمعي وبنيته الذهنية والسلوكية والتي ترى الدراسة بأنه من الصعب تجاوزها، وحللتها سوسيولوجياً وطرحت الحلول الواقعية لها.
كلمات مفتاحية: البناء، الاعمار، المجتمع، الدولة، الأزمة، المجتمع العراقي، المشكلات الاجتماعية.
The construction and urban development industry faces many challenges during the aforementioned period. Among these challenges:
1. Wars and conflicts: The impact of wars and political unrest on infrastructure and urban development in Iraq was significant, causing the destruction of many facilities and infrastructure and the slowdown of construction and development processes.
2. Economic challenges: The deterioration of the Iraqi economy and fluctuations in oil prices had a significant impact on the construction and urban development industry, as investments decreased and large projects were delayed.
3. Environmental challenges: Iraq faces increasing environmental challenges, including water shortages and environmental pollution, which affects the planning and implementation of urban projects.
4. Technical challenges: The impact of technological development on the construction and urban development industry, with challenges related to providing modern technology and training technical personnel to use it.
It should be noted that Iraq is striving to overcome these challenges and develop the construction and urban development sector by investing in economic transformation, enhancing infrastructure, and improving the business environment.
Before 2003, Iraqi society suffered and is still suffering from many different and multiple crises that have exhausted it to a great extent. But after 2003 in particular, and until now, Iraq has witnessed great fragmentation and a clear rift, both as a state and a society. It is now going through a stage of fragmentation in its state and division in its society, which is the most serious problem in its contemporary history. Based on that, this theoretical study deals with a sociological analysis of the political, economic, financial, demographic and social reality in Iraqi society during the past two decades of the current millennium. It carefully studies its crises, which were destroyed by wars, siege, administrative and political corruption, sectarian conflict, political strife, and fighting over sub-identities. The study concluded that these crises and problems, which were presented in six sections, have left behind a state that is characterized as a failed state par excellence and a society that suffers from countless problems in its political reality, its economic and financial security, its demographic composition, its societal peace, and its mental and behavioral structure, which the study believes is It is difficult to overcome it, and I analyzed it sociologically and proposed realistic solutions to it.
Keywords: construction, reconstruction, society, state, crisis, Iraqi society, social problems.
المقدمة
يؤكد أغلب علماء سوسيولوجيا السياسة إن المجتمع سابق على الدولة والسلطة، وإن الجماعات تنتقل من شريعة الغاب إلى المجتمعات المنظمة والشمولية التي تؤسس لقيام الدولة والسلطة السياسية عندما تتوفر فيها عدة متطلبات أهمها: المصلحة المشتركة في العيش المشترك، االثقافة والهوية المشتركة والتاريخ المشترك، لتتجاوز حالة الفوضى وشريعة الغاب، والخضوع لقانون واحد ملزم للجميع القبول بسلطة تعلو على سلطة الافراد والجماعات الأولية: من أسرة وقبيلة وانتماءات مذهبية وطائفية ومناطقية، الضمير والعقل الجمعيين والإحساس بالانتماء المشترك لنفس الجماعة والأرض المشتركة. تؤكد التجارب التاريخية لسيرورة المجتمعات بأنه كلما كان المجتمع أكثر انسجاماً وترابطاً، كلما كانت الدولة أكثر إستقراراً، ولكن هذا لا يعني بأن وحدة المجتمع وإتساقه أهم من الوحدة السياسية. فالسياسة والاقتصاد سويةً هما المحرك الرئيسي لواقع المجتمع ومقتضيات إستمرارية نموه وتطوره. منذ العام 2003، يمر العراق دولةً ومجتمع بمرحلة جديدة في غاية الأهمية، تمثلت بالتغيير السياسي الكبير الناتج عن (الغزو والإحتلال الأمريكي له في 9 نيسان من نفس العام) والذي حمل في طياته تغيراً دراماتيكياً للواقع السياسي والاقتصادي ومن ثم للواقع السكاني والاجتماعي. وهكذا دخل العراق في أزمات حقيقية على كافة الأصعدة والمستويات والتي أخذت نمطاً مستمراً، خلقت بشكل أو بآخر خللاً سياسياَ واقتصادياً و سكانياً وأمنياً واجتماعياً، والذي تمثل بوجود أزمة حكم حقيقية، وترسبات الاستبداد والتسلط والحرية المفلتة بعد تفشي البطالة والفقر، وتراجع الوعي السياسي بالديمقراطية وحقوق الانسان. لقد كان هذا الواقع ماثلاً ومشبعاً بالعوامل التي أسهمت في ضياع أواصر المواطنة بعد أن تقاذفتها بوادر الأفكار الهدامة والتي كان على رأسها الإرهاب المتطرف والفساد الأداري والمالي اللذان أنهيا دوافع بناء الدولة الديموقراطية.
مشكلة الدراسة وأهميتها والأسئلة الرئيسية المطروحة فيها
إن إختيار مشكلة الدراسة وتحديدها بعناية تمثل الخطوة الأولى من خطوات البحث العلمي، كما تعد المشكلة في اية دراسة سوسيولوجية، النواة الاساسية التي تمثل انطلاقة الباحث لغرض الاجابة على الأسئلة التي تطرحها الدراسة. تتجلى أهمية هذه الدراسة من الواقع الحقيقي المعاش في العراق. لذلك تمثل الدراسة محاولة سوسيولوجية متواضعة لتسليط الضوء على واقع البناء والاعمار في العراق بعد عام 2003، من خلال عرض وتحليل لأربعة مجالات أو وقائع رئيسية، وهي (1) الواقع السياسي و(2) الواقع الاقتصادي والمالي، و(3) الواقع السكاني و(4) الواقع الاجتماعي. اما عن اهمية الدراسة فتتجلى بحيوية الموضوع الذي تحاول الدراسة أن تغور فيه. وهنا يمكن صوغ مشكلة الدراسة الرئيسة بالتساؤلات الأتية:
1 ـ هل حقق الغزو والاحتلال الامريكي للعراق في عام 2003، والأعوام التي تلتها، وعوده التي أغدق بها الشعب العراقي بالديمقراطية ونظام الحكم الرشيد؟
2 ـ هل حقق الدستور العراقي الدائم لعام 2005، الطموحات في اقامة مؤسسات نظام ديمقراطي حقيقي أم كان العكس؟
3 ـ هل تمكنت الحكومات المتعاقبة التي تشكلت بعد الاحتلال من تحقيق طموحات وآمال الشعب العراقي بالديمقراطية بعد عقود من الدكتاتورية والحكم الشمولي؟
4 ـ هل ان التكتلات السياسية والاحزاب المتحالفة في تشكيل الحكومة وفقأ لمبدأ الديمقراطية التوافقية القائم على المحاصصة الطائفية والإثنية والتي ظهرت بعد الاحتلال، تمتلك مشروعاً سياسياً وطنياً لبناء الدولة؟
5 ـ لماذا يسمى عراق ما بعد الغزو والاحتلال الأمريكي، في الادبيات السياسية الغربية بالدولة الفاشلة؟ لا بل يسميها البعض بالدولة الأكثر فشلاً في العالم؟
6 ـ هل هذا الفشل هو بسبب الأحتلال، أم بسبب الترسبات السلبية لنظام الحكم الشمولي السابق؟
7 ـ هل فعلاً أن الدولة في العراق إنسلخت عن المجتمع، خصوصاً بعد أن تنامى دور القبيلة والعشيرة الى حد بعيد؟
8 ـ هل يعود هذا الفشل في بناء دولة متينة وذات سيادة، لعامل واحد، أم لعدة عوامل متداخلة ومترابطة؟
أهداف الدراسة
تستمد هذه الدراسة أهميتها من طبيعة الموضوع الذي تحاول أن تلقي الضوء عليه، متمثلةً بالمتغيرات التي شهدها العراق دولةً ومجتمع خلال السبعة عشر سنوات الماضية. تهدف الدراسة إلى بيان وإستكشاف واقع المجتمع العراقي، وتعرض الأزمات التي يواجهها دولةً ومجتمع للفترة من 2003 إلى 2020. ومن أجل الوصول إلى إجابات واقعية وعلمية للأسئلة المطروحة في مشكلة الدراسة، تحاول الدراسة وتهدف إلى ما يلي:
1 ـ وصف وتحليل الواقع السياسي في العراق وتحليل البنية الفكرية والآيديولوجية فيه للفترة من 2003 إلى 2024 .
2 ـ وصف وتحليل الواقع الاقتصادي والمالي وإشكالياته العديدة في العراق للفترة من 2003 إلى 2024 .
3 ـ وصف وتحليل واقع النمو السكاني في العراق والعوامل المؤثرة في ذلك النمو للفترة من 2003 إلى 2024 .
4 ـ وصف وتحليل الواقع الاجتماعي في العراق وعرص أهم المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها للفترة من 2003 إلى 2024 .
فرضية الدراسة
تنطلق هذه الدراسة من فرضية سببية تفسيرية رئيسية واحدة مفادها:
إن ظروف الغزو والإحتلال التي شهدها العراق ما بعد التاسع من نيسان 2003، من قِبَل (الولايات المتحدة الأمريكية والقوات المتحالفة معها)، والسنوات التي تلتها من جهة، وترسبات الاستبداد السياسي للنظام السابق من جهة أخرى، جعلت المجتمع العراقي في مواجهة أزمات وتحديات وإشكالات عديدة: سياسية، واقتصادية ومالية، سكانية وأمنية، واجتماعية بارزة، فرضت نفسها على واقع المجتمع العراقي وعلى مقتضيات استقراره، ومن ثم على إمكانية بناء الدولة العراقية على أسس جديدة. وكل ذلك ولّدَ دولةً متشظية وفاشلة ومجتمعاً منشطر وهش، ولهذا تدعي الدراسة بأن وصف دولة العراق بالدولة الفاشلة وصف صحيح إلى حدٍ بعيد.
منهجية الدراسة
تعد هذه الدراسة من الدراسات الوصفية التحليلية التي تلتزم جمع الحقائق والبيانات، ثم تحليلها وتفسيرها تفسيراً علمياً معتمداً على منهج التحليل الاستقرائي. ويعتمد منهج التحليل الاستقرائي الذي تتبناها هذه الدراسة على الملاحظة اليومية المنظمة للواقع، وطرح الفرضية، وجمع البيانات وتحليلها. لذا فقد وفَرَ لنا هذا المنهج رؤية أساسية للوقائع والاحداث عبر طابعها التراكمي. بحيث تعرفنا على وقائع الجوانب المختلفة في العراق، حيث ننتقل من الجزء إلى الكل. (بوبر، 2006: 283).
هيكلية الدراسة
تتكون الدراسة في هيكليتها من ستة مباحث رئيسية فضلاً عن المقدمة والاستنتاجات والتوصيات وقائمة المصادر. وهذه المباحث هي:
1. المبحث الأول يعرض أهم المفاهيم الرئيسية في الدراسة.
2. المبحث الثاني : يبين واقع البناء والاعمار في التركيبة الإثنية والدينية في العراق ونبذة عن تأريخه ومحيطه الجغرافي.
3. المبحث الثالث يتناول اثر البناء والاعمار في الواقع السياسي ويحلل بنيته الفكرية والآيديولوجية.
4. المبحث الرابع يتطرق للواقع للتحديات التي تواجهها اساليب البناء والاعمار من الواقع الاقتصادي والمالي وإشكالياته العديدة.
5. المبحث الخامس يعرض ويحلل واقع البناء والاعمار بعد النمو السكاني والديموغرافي والعوامل المؤثرة في ذلك النمو.
6. المبحث السادس يعرض الواقع الاجتماعي ويتطرق لأهم المشكلات الاجتماعية وسماتها.
المبحث الأول: المفاهيم الرئيسية في الدراسة: عرض ونقاش
يعتبر تحديد المفاهيم والمصطلحات العلمية أمراً ضروريآ في البحث العلمي، خاصةً في ميدان علم الاجتماع. حيث كلّما إتسّم هذا التحديد بالوضوح والدّقة، سهّلَ على اللذين يتبعون البحث أو الدراسة إدراك المعاني والأفكار التي يريد الباحث التعبير عنها، دون أن يختلفوا في فهم ما يقول. ولذلك فإن أهمية المفاهيم الاجتماعية بالنسبة للباحث الاجتماعي كأهمية سكة الحديد للقاطرة. فهي تساعده على تحديد أفكار وسلوك مجتمع دراسته، وعلى تحديد تعميم نتائج دراسته، وهذا يقرّبه من الموضوعية العلمية المطلوبة في البحث الاجتماعي. فالمفاهيم إذاً، هي عبارة عن أفكار تجريدية تستخدم من قبل الباحثين كوسائل لأدراك الظواهر. (عمر، 1983: 32). وعلى هذا الاساس، سوف تُطرََح هذه المفاهيم وتُعَرّف سوسيولوجيآ ومن ثم تُناقَش تنظيريأ وبالتفصيل، ويليها عرض التعاريف الإجرائية لكل مفهوم. والمفاهيم هي: المجتمع، الدولة، الدولة الفاشلة، والأزمة.
1 ـ المجتمع
يعتبر عالم الاجتماع البريطاني جيفري دينكن ميشيل "مصطلح المجتمع من أكثر المصطلحات غموضاً وعمومية في مفاهيم علم الاجتماع".(Mitchell, 1989: 206) ، (Jary & Jary, 1991: 600). لقد اختلفت تعاريف المجتمع بإختلاف العلماء والباحثين الذين تناولوا هذا الموضوع، كما أن الباحثين يستخدمون التعبير في كثير من الأحيان بمعاني مختلفة ترتبِط بِرؤيتهم له، وبالخلفيات الثقافية والفكرية التي تميز بينهم، لهذا نذكر بعضاً من هذه التعريفات. يعرف عالم الاجتماع البريطاني جوردن مارشال المجتمع بأنه "مجموعة من الافراد تشترك في خصائص معينة في الثقافة العامة وتسكن في بقعة جغرافية واحدة". (Marshall, 1994: 498)). وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ المعنى الذي تم تعريفه لكلمة المجتمع هو متداول ومعتمد في الكتابات السوسيولوجيّة الحديثة، إلاّ أنّ هذا لا يمنع إمكانية إستخدام كلمة المجتمع في الحياة اليومية لتدل على معان أخرى، للإشارة إلى العلاقات الاجتماعية. أو للحديث عن حالات أو سلوكيّات معينة يُقرُّها أو يرفضها الأفراد كجماعة، كالقول بأنّ المجتمع لا يتقبّل تدخين الفتيات مثلاً وخاصةً في المجتمع الشرقي أو في المجتمعات المحافظة، ولفظ المجتمع قد يشير إلى مجموعة تتبع ديانة معينة، أو دولة قومية، أو مجموعة ثقافية واسعة كالمجتمع الغربي، كما يمكن أن يطلق على جماعة من الناس تربطهم أهداف دينية، أو سياسية، أو ثقافية ، أو خيريّة. ( Mitchell, 1989: 206) . ويؤكد جوردن مارشال بأن "مفهوم المجتمع يستخدم في مفردات الحياة اليومية وكأنه يشير بدون أي غموض إلى شيء موجود هناك بوضوح بعيداً عن الأفراد المكونين له. فنحن نتحدث عن المجتمع الفرنسي والمجتمع الرأسمالي وهكذا. وعلى أية حال حينما نتأمل ذلك نكتشف بكل وضوح أن هذا الأستخدام لمفهوم المجتمع له مشاكله، فعلى سبيل المثال، هل المجتمع البريطاني يمثل وحدة واضحة، أم يمكننا الحديث عن مجتمع ويلزي وآخر سكوتلندي وثالث إيرلندي شمالي؟ بل حتى داخل إنكلترا نفسها ألا توجد هناك إختلافات ثقافية كبيرة بين الشمال والجنوب مثلاً؟ وهل هناك مجتمع رأسمالي واحد أم عدة مجتمعات رأسمالية؟ وهل المجتمع والدولة والأمة يعنيان نفس الشيء؟ إن يوغوسلافيا السابقة كانت دولة تتكون من مجتمعات وشعوب مختلفة مثل الكرواتيين والصربيين والسلوفينيين وغيرهم. ولذلك يستخدم الكثير من علماء الاجتماع هذا المفهوم بعناه البديهي القريب. والبعض الآخر يثير تساؤلات حول هذا الإستخدام. فأتباع النظرية التفاعلية الرمزية مثلاً يرون أنه لا يوجد شيء إسمه مجتمع، ومفهوم المجتمع هو مجرد مفهوم مفيد. لأنه يستخدم ليغطي أشياءً لا نعرف عنها شيئاً و لا نفهمها بصورة ملائمة. وهناك علماء اجتماع آخرون يعالجون المجتمع ويتعاملون مع المفهوم كحقيقة اجتماعية قائمة بذاتها، وخير مثال على ذلك هو العالم الفرنسي إيميل دوركهايم (1858 ـ 1917). وقد حاول علماء اجتماع آخرون تطوير مفاهيم أكثر تحديداً كبدائل لمفهوم المجتمع. فالمنظر والفيلسوف الماركسي الفرنسي لوي بيير ألتوسير (1918 ـ 1990)، على سبيل المثال، إقترح مصطلح (التشكيل أو التكوين الاجتماعي) كتجميع لثلاث مستويات من العلاقات ( الاقتصادية والآيديولوجية والسياسية) التي يمكن أن تربط بعضها ببعض بعدة طرق مختلفة. أما عالم الاجتماع البريطاني انتوني جيدنز، فأنه يرفض إعتبار كل من المجتمع والدولة شيئاً واحداً، ويفضل أن يشير إلى النظم والانساق الاجتماعية التي قد تتحدد اولاً بحدود قومية". (Marshall, 1994: 498) ، (Jary & Jary, 1991: 600). في الواقع أن مفهوم المجتمع يتغير معناه حين نلصق به اية (صفة) لما بعدها، كأن نقول مجتمع تقليدي، مجتمع مغلق، مجتمع منفتح، مجتمع حداثوي، مجتمع صناعي، مجتمع زراعي، مجتمع صناعي، مجتمع حضري، مجتمع ريفي، مجتمع بدوي، مجتمع ما قبل الصناعة ومجتمع مابعد الصناعة. المجتمع العربي، المجتمع الغربي.... إلخ.
المجتمع وفقاً لتعريفنا الاجرائي هو تلك المجاميع من الناس الذين يسكنون بقعة جغرافية محدودة من البلد المعني ويتفاعلون يومياً وفقاً لنظام اجتماعي مألوف لديهم وفي ضوء الادوار والوظائف التي يقومون بها. فيما يخص المجتمع العراقي فإنه يتميز بالتعدد والتنوع الاثني والديني والقبلي والطائفي واللغوي. ووفقاً للتوضيح الذي يؤكد عليه جوردن مارشال و (بعيداً عن المنطق الإنقسامي) فأن ذلك ينطبق على المجتمع العراقي أيضاً حيث ثمة تباينات في ثقافة العراقيين وخصالهم، بين عرب الشمال وعرب الجنوب، وبين الجنوب والغرب وكذلك بين المسلمين سنةً وشيعة، اضافة الى التباين والاختلاف بين العرب والكرد والتركمان والمسيحيين والاقليات الاخرى. وهناك تباينات نسبية بين سكان بغداد وسكان البصرة والموصل، وبين السليمانية وكربلاء وبين بعقوبة والنجف وأربيل والناصرية او بين راوه ومندلي. كما ان هناك تباين بين ثقافة الافندي والعمامة والعقال والجراوية. الى جانب التباين المرئي والمخفي بين الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية وبين اهل المدن واهل الريف وبين الحرفيين والعمال.
2 ـ الدولة
الدولة في اللغة العربية يقابلها (State) في اللغة الإنكليزية و (Stata) بالألمانية و(Etat) في الفرنسية. وهي في الأساس كلمة لاتينية هي (Status) وتعني الواقف أو الثابت، أو الحالة المستقرة والثابتة. (غزال، بدون تاريخ: 69). وجاء في موسوعة عالم السياسة بأن الدولة "هي الكيان السياسي والإطار التنظيمي الواسع لوحدة المجتمع، والناظم لحياته الجماعية وموضع السيادة فيه، بحيث تعلو إرادة الدولة شرعاً فوق إرادات الافراد والجماعات الاخرى في المجتمع، وذلك من خلال إمتلاك إصدار القوانين وإحتكار حيازة وسائل الإكراه، وحق إستخدامها في سبيل تطبيق القوانين بهدف ظبط حركة المجتمع وتأمين السلم والنظام وتحقيق التقدم في الداخل والأمن من العدوان في الخارج". (مفرّج ولجنة من الباحثين، 2006: 142). يبدو أن مفهوم الدولة هو مفهوم محوري في العلوم السياسية التي نحاول أن لا نخوض في تعاريفها المتعددة. أما الرواد الأوائل لعلم الاجتماع فكانت وجهات نظرهم وتعاريفهم مختلفة بإختلاف خلفياتهم الفكرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فأن مفهوم كارل ماركس (1818 ـ 1883) للدولة مفهوم صراعي معقد وشائك، وخصوصاً وأن فكرته عن الدولة جاءت كنقد لأفكار فلسفة هيجل (1770 ـ 1831)، للدولة والمجتمع المدني، حيث ربطَ ماركس دور الدولة بالطبقة البرجوازية ومصالحها ومن ثم صراعها مع طبقة البروليتاريا، فالدولة هي مجرد "البنية الفوقية" التي تخدم مصلحة الطبقة المهيمنة. لذلك نرى أنه يؤكد بأن الدولة هي بمثابة عميل البرجوازية، وأن جميع أجهزة الدولة تصبح عيوناً وآذاناً، وسواعد، وأرجلاً تمكن المالكين من التأثير، وحسب ماركس فإن السلطة الحديثة ليست سوى لجنة تدير الشئون المشتركة لكامل الطبقة البرجوازية. وتوقع ماركس يوتوبياً بأن الدولة ستزول حين يبلغ المجتمع مرحلته الأخيرة من التطور وهي المشاعية اتي كان من المفروض ـ حسب ماركس ـ تأتي بعد مرحلة الشيوعية. (Giddens, 1971: 4-5). (Giddens, 1973: 51). أما عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم (1858 ـ 1917)، فأنه يختلف تماماً عن ماركس لأنه ينظر للدولة من منظور بنائي وظيفي. فقد عرّفَ دوركهايم الدولة بأنها "فريق من الموظفين من نوع خاص، مرتبطين بالسلطة وهرميتها التراتبية. وهذا الفريق من الموظفين هو أداة التركيز للسلطة الحكومية في الدولة"، ويلاحظ بأن الدولة عند دوركهايم هي أداة تقوم بواجب وظيفي للمجتمع الحديث. (Giddens, 1971: 100). ومن أبرز التعريفات السوسيولوجية الشائعة للدولة هو تعريف عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر (1864 ـ 1920)، الذي يقول فيه بأنّه لا يمكن تعريف الدولة من خلال أهدافها بل ينبغي تعريف الدولة من خلال وسائلها. (Held,1983: 111). إشتهر ماكس فيبر بتعريفه للدولة على أنها هيئة تحتكر الاستخدام المشروع للقوة وأدوات العنف. فالدولة في ضوء هذا التعريف هي ممارسة العنف الفيزيقي ـ بوصفه الوسيلة الطبيعية للسلطة ـ الذي يحتاج الى شرعنة، أي إن الدولة وحدها تملك أدوات الإكراه المشروع، وهذا ما دفع ماكس فيبر إلى جعل السياسة مجرد مفهوم للسلطة والسيطرة. إن مبدأ القوة أساس النظام السياسي عند فيبر الذي ربطه بوجود الدولة التي تحتكر استخدام العنف .يؤكد فيبر بأن التنظيم السياسي قادر أن يصبح دولة، إذا تمكن من أن يتحكم في الاستخدام المشروع للعنف في إطار جغرافي معين على مجموعة معينة من الأفراد. وبهذا يقصد فيبر بالدولة "إنها المصدر الذي له الحق في إستخدام العنف. فالدولة هي مؤسسة سياسية سمتها مؤسساتية، طالما إن إشرافها الإداري يطالب بنجاح بتطبيق القوانين باحتكار القهر المادي الشرعي، ويحلل مطولاً في كثير من النصوص أداتَي الدولة الأساسيتين المؤلفين برأيه من العنف الشرعي والإدارة المؤسساتية (البيروقراطية). والتنظيم السياسي عند (ماكس فيبر)، هي مجموعة مسيطرة تطبق أوامرها على إقليم معين بواسطة تنظيم إداري يستخدم التهديد أو اللجوء إلى الإجبار المادي أي استخدام القوة المادية. وبهذا الشكل فإن الدولة عند (فيبر) هي عقلنة المجتمع، والبنية والتجمع السياسي الذي يدعي بنجاح احتكار الإكراه المادي المشروع. (Gerth, Hans. H & C, wright Mills, 1947: 78). (Freund, 1968: 218-219) (Giddens, 1971: 156) ، (Dusza, 1989: 71, 80). أما التعريف السياسي المعاصر الذي يتبناه عالم السياسة البريطاني ديفد هيلد (1951 ـ 2019)، للدولة فهو بأن "الدولة ليس بكيان موّحد، بل هي ظاهرة ذو أبعاد متعددة تتغير طبيعتها حسب الزمان والمكان. وهي بإختصار شديد جهاز الحكومة تظهر في كل مكان وتنظم ظروف حياتنا من الولادة وحتى الموت". (Held,1983: ix-1). وعلى نفس المنوال تقريباً يعرّف عالم الاجتماع البريطاني أنتوني جيدنز (1937 ـ مازال على قيد الحياة) الدولة سوسيولوجياً بأنها "الجهاز السياسي للحكومة متمثلةً بالبرلمان ومجالس الشعب، فضلاً عن مسئولية توفير الخدمات المدنية.
4 ـ الأزمة
الأزمة هي فترة حرجة وحاسمة تتعلق بمصير الدولة أو المجتمع الذي أصيب بها، مُشَكّلةً بذلك صعوبة كبيرة امام صاحب القرار، وإن أي قرار يُتخذ في نسق معين أو في منظومة معينة ضمن نسيج الدولة أو المجتمع، من عدم التأكد وقصور المعرفة وقلة البيانات والمعلومات، يزيد من درجة المجهول عن تطورات الأزمة. تعبر الأزمة عن موقف أوحالة أوعملية أوقضية يواجهها متخذ القرار كأن يكون رئيس الدولة أو رئيس الوزراء في أحد الكيانات (دولة، مؤسسة، مشروع، اسرة) تتلاحق فيها الأحداث بالحوادث والوقائع وتتداخل وتتشابك معها الاسباب بالنتائج، وتختلط الأمور وتتعقد، ويفقد معها متخذ القرار قدرته على الرؤية والتبصر. فالأزمة إذاً هي خلل مفاجئ نتيجة لأوضاع غير مستقرة يترتب عليها تطورات غير متوقعة، بسبب عدم القدرة على احتوائها من قبل الأطراف المعنية، وغالباً ما تكون بفعل الانسان. فالأزمة إذاً عبارة عن خلل يؤثر تأثيرا ماديا على النظام كله، كما انه يهدد الافتراضات الرئيسية التى يقوم عليها هذا النظام.(الشاطري، 2011). ويمكن تصنيف تعريفات الأزمة وفق ثلاثة مستويات: الأزمة بالمفهوم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. يقصد بالأزمة من الناحية الاقتصادية ب"إنقطاع في مسار النمو الاقتصادي حتى انخفاض الإنتاج أو عندما يكون النمو الفعلي أقل من النمو الاحتمالي". ومن الناحية الناحية الاجتماعية تعني "توقف الأحداث المنظمة والمتوقعة واضطراب العادات مما يستلزم التغيير السريع لإعادة التوازن، ولتكوين عادات جديدة أكثر ملائمة". أما الأزمة من الناحية السياسية: "حالة أو مشكلة تأخذ بأبعاد النظام السياسي وتستدعي اتخاذ قرار لمواجهة التحدي الذي تمثله سواءً كان إدارياً، أو سياسياً، أو نظامياً، أو اجتماعياً، أو اقتصاديا، أو ثقافياً". (العامري، 2020). ومن منظورنا السوسيولوجي صغنا التعريف الإجرائي التالي للأزمة، وهي أن الأزمة هي: حالة تتضمن حصول تغيرات مفاجأءة وكبيرة في أسباب ظهورها على مستوى الدولة والمجتمع، وهذه التغيرات قد تؤدي إلـى حـدوث تغيرات أكثر تأثيراً وأصقع ومفاجأة في المحصلات والنتائج، وسبب ظهور الأزمة هو مجموعة عوامل متراكمة من الأحداث والوقائع التي تتفاعل ديناميكياً مع بعضها البعض في نسيج الدولة والمجتمع سويةً، وإن هذه العوامل والوقائع تغذي بعضها البعض الآخر لحد بعيد إلى أن تصل إلى حالة من الإحتقان والتوتر والإنفجار.
المبحث الثاني: التركيبة الإثنية والدينية في العراق ونبذة عن تأريخه ومحيطه الجغرافي
من المميزات الرئيسية للتركيبة السكانية المتنوعة في العراق دولةً ومجتمع، هي ميزة التنوع القومي: عرب، كورد وتركمان، والتنوع الديني: مسلمين، مسيحيين، صابئة، يزيديين وشبك، والتنوع المذهبي :سني, شيعي. وهذه المميزات من التنوع تختزن الكثير من المشاكل والتناقضات الدينية والاثنية والمذهبية بين مكونات الشعب العراقي، مما يجعل هذه المجموعات السكانية المختلفة مشاركتها في البرلمان والسلطة وصناعة القرار، السبيل الافضل لتفادي الصراعات والنزاعات المتوقعة. إذ أن الاغلبية السكانية تتمثل في العرب: سنة وشيعة بنسبة 75، بالمئة، ويشكل الكورد نسبة 18، بالمئة من نسبة السكان الكلي، ويشكل التركمان نسبة 2، بالمئة من عدد السكان. اما المسيحيون: الارثدوكس والكلدان والآشوريون، فيشكلون 3، بالمئة من مجموع عدد السكان، والصابئة المندائيون يشكلون نسبة أقل من 1، بالمئة من السكان، والشركس يشكلون نسبة 5.0، بالمئة، والارمن وهم اقلية صغيرة جداً.(حسن، 2016: 2). يؤكد التاريخ المعاصر للدولة العراقية الحديثة التي اسست في عام الد1921، بأنها واجهت اشكالية معقدة تمثلت بوجود ازمة هوية وطنية واضحة، وإفتقاد هذه الدولة الفتية الناشئة لمفهوم المواطنة وكيفية بلورته في مجتمع متعدد القوميات والاديان والمذاهب، وهذه اشكالية واجهتها كافة الحكومات المتعاقبة، فإشكالية الهوية المشتركة في العراق نابعة عن تضافر متغيرات مجتمعية وتاريخية وسياسية، فضلاً عن المتغيرات الخارجية المتمثلة بالأزمات السياسية والدولية التي دخل بها العراق لمدة تجاوزت الثلاثين عاماً، والتي اثرت بشكل كبير وسلبي على التركيبة النفسية لدى الفرد العراقي. (الزبيدي والصبيحي، 2019: 10). هناك مقولة مشهورة ومنسوبة إلى ملك العراق، فيصل الأول (1883 ـ 1933)، أشار إليها في مذكراته التي إستعان بها العديد من الباحثين في الشأن العراقي، حيث يقول: " أقول وقلبي ملآن أسى، إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميّالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت، فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل شعبا نهذبه وندرّبه ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضا عظم الجهود التي يجب صرفها لاتمام هذا التكوين وهذا التشكيل. هذا هو الشعب الذي اخذت مهمة تكوينه على عاتقي". (المشهداني، 2012). فإن الملك فيصل أراد بذلك حسم الخلاف في أن الدولة في العراق ليست إفرازاً لأمة، وليست ناتجة من وعي شعب او نتيجة نضاله او سيرورته التاريخية. ويشهد العراق حالياً تشرذماً كبيراً كدولة ومجتمع ويمّر بمرحلة تشظي في دولته وإنشطاراً في مجتمعه، وهي الاشكالية الأكثر خطورة في تأريخه الحديث والمعاصر منذ تأسيسه كدولة حديثة في عام 1921. فقد شهد العراق منذ عام 1991، وحتى سقوط نظامه السياسي في 9 نيسان 2003، تدهوراً كبيراً في جميع الأصعدة. يتمثل هذا التدهور في زيادة البطالة وانخفاض دخل الفرد، وانتشار الفقر وتدهور الخدمات والمرافق العامة، وانتشار الجريمة، وانهيار البنية الاساسية، فضلاً عن القمع والصراع على الهوية والتقوقع في قاع النزاع المذهبي الطاحن. وكان للحصار الاقتصادي والتجاري الدولي الذي فرض على العراق في عام 1990، ومنع تصدير النفط الخام، دوراً حاسماً في التدهور الكارثي. ثم جاء الاحتلال الامريكي بعد ان أُغدِقَ بالوعود التي إستُقبلَت بتأييد جماهيري واسع، بأمل إعادة بناء الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية, وتنفيذ مشاريع الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية العامة، وتأسيس النظام الديمقراطي القائم على قاعدة توسيع وحماية الحريات الفردية والعامة. الا أن الأمر لم يقتصر على عدم تحقق تلك الوعود، بل تعداه الى تعرض وحدة الدولة للتهديد، وتعرض آمال المواطنين للانهيار الى درجة إستفحال موجات التهجير الداخلية والخارجية التي شملت الملايين، وذلك بفعل سوء إدارة الاحتلال، والتدخل الأجنبي الواسع في شؤونه، وخاصة منه التطرف الاسلامي المسلح، وضعف القوى السياسية الليبرالية والديمقراطية، وعدم كفاءة القيادات التي حكمت الدولة في معالجة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمشكلة الأمنية. وبالرجوع إلى مديات فشل العراق كدولة، يقع العراق حسب التصنيف العالمي لعام 2018، ضمن قائمة الدول الفاشلة ذات الخطر المرتفع، (High Alert) وهي سبعة دول لا يوجد فيها بلداً غنياً نفطياً الا العراق، وبذلك فان العراق يقع في ذيل قائمة الدول بمعدل فشل عالي الخطورة بحيث تصنف كل من الصومال واليمن وسوريا والسودان وأفغانستان بمستويات افضل من العراق. وحسب التقييم الجديد لعام 2019، لموقع Mercer النمساوي والذي يعتمد على عدة معايير كالخدمات والامن والواقع السياسي والاجتماعي والتعليم والصحة والبيئة فقد حلت بغداد كأسوأ مدينة للعيش في العالم، وفي ذيل القائمة تماماً. بحيث تفوقت عليها حتى مدن عربية لاتزال تعاني من الحروب كدمشق وصنعاء وغيرها. (https://www.mercer.com/newsroom/2019-quality-of-living-survey.html ).
جغرافياً، وفيما يخص موقع العراق ودول الجوار الجغرافي المحيطة به، فتحد العراق من الشمال تركيا وايران من الشرق، ومن الجنوب الخليج العربي والكويت ومن الجنوب والجنوب الغربي المملكة العربية السعودية، ومن الغرب الأردن ومن الشمال الغربي سوريا. ويتضح مما تقدم أن العراق تجاوره ست دول اثنتان منها أجنبيتان هما تركيا وايران بما نسبته 48، بالمئة من الحدود الدولية، أما ما تبقى من حدوده فتقاسمها أربع دول عربية بنسبة 52، بالمئة. وهذه الدول الأربع : من الغرب سوريا والأردن وجزء من السعودية، ومن الجنوب السعودية والكويت. (المالكي، 2014: 24 ـ 25).
المبحث الثالث: الواقع السياسي وتحليل البنية الفكرية والآيديولوجية
لقد كانت السياسة وما تزال مُحَرِّكاً للتاريخ. ومن الصعب جداً فهم التحولات التاريخية والسياسية واالتغيرات التي يشهدها المجتمع والتي بالتالي يحولها من مرحلة إلى أُخرى، دون دراسة السياسة وفهمها فهماّ موضوعياّ. (الأسود، 1986: 199). ولهذا فان للعامل السياسي دور بارز ومهم جداً في بناء وتنظيم المجتمع بمؤسساته ونظمه المختلفة، حيث لا يمكن أن يستَتِب النظام الاجتماعي ويستقر، إلاّ بوجود جهاز الدولة الذي يدعم ذلك من خلال ما يتخذه من قرار سياسي يتضمن الأهداف والبرامج السياسية والتخطيطية لتغير الواقع السياسي الاقتصادي والسكاني والاجتماعي للمجتمع نحو حالة من التقدم والإرتقاء. تأريخياً، ومنذ أن توّلى صدام حسين الحكم كرئيس للعراق بعد إزاحة أحمد حسن البكر من الرئاسة والحكم في 1979، أصبحت السلطة مُركّزة في شخصه فقط. فأصبح هو رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس قيادة الثورة، ورئيس مجلس الوزراء، والأمين العام لحزب البعث العربي الإشتراكي، وأمين سر القطر والقائد العام للقوات المسلحة. وقد تميز العراق خلال حكمه بهيمنة الدولة المركزية على كافة القطاعات الاقتصادية والسياسية والإدارية، والاجتماعية، وجهاز أمني قوي ومرعب للحفاظ على مركزية السلطة ونظام الحكم. ينبغي القول بأن النظام السياسي الحاكم الذي كان قائماً على التراتبية الحزبية في حزب البعث في أوائل السبعينيات، أصبح فيما بعد يستند على علاقات القرابة والعشائرية والمناطقية. فهذا النظام السياسي المنغلق على نفسه، قد تحول تدريجياً من نظام الحزب الواحد القائم على آيديولوجية البعث الى نظام دكتاتوري وتوتاليتاري شمولي. إن الكبت السياسي الذي مارسه النظام ومحاربته للأحزاب السياسية، اليسارية منها أو القومية، والاسلامية، دفعت الكثير من السياسيين إلى الهجرة واللجوء السياسي والعيش خارج البلاد. فضلا عن الحروب المتتالية وما ولّدَتهُ من حصارِ إقتصادي أضنَت المجتمع كلياً بناءاً ووظيفة. تفاقمت كل هذه العوامل وكانت وراء الإنهيار السريع للنظام أثناء وبُعَيدَ الغزو والاحتلال الأمريكي في 2003، والذي أدى بالنتيجة الى بروز الصراع الطائفي والإثني والمذهبي والعشائري، الى جانب الأقتتال على الهويات الفرعية. (المركز الديمقراطى العربى للدراسات الاستراتيجية، الاقتصادية والسياسية، 2019). لذلك يمكن القول بأن الواقع السياسي في العراق قد تحَّوَلَ من السَيء الى الأسوء، بعيد الغزو والاحتلال الامريكي له. حيث تشكل مجلس الحكم برئاسة الحاكم المدني بول بريمر في 12 تموز 2003 ، بقرار من سلطة الائتلاف الموحدة ومنح صلاحيات جزئية في إدارة شؤون العراق، وكانت سلطة الائتلاف الموحدة تمتلك الصلاحيات الكاملة حسب قوانين الحرب والاحتلال العسكري المتفق عليها في الأمم المتحدة. وامتدت فترة الصلاحيات المحدودة لمجلس الحكم من 12 تموز 2003، إلى 1 حزيران 2004، حيث تم حل المجلس ليحل محله الحكومة العراقية المؤقتة. وكان مجلس الحكم يتألف من ممثلين عن أحزاب وتكتلات عراقية مختلفة، كانت في السابق معارضة للحكم الشمولي الذي تبناه صدام حسين. وبالرغم من إعتراف الجامعة العربية والولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول بمجلس الحكم العراقي كممثل شرعي للعراق، إلا أن السلطة الحقيقية كانت بيد قوات الاحتلال الأمريكية وممثلها في العراق بول بريمر. بدأت هذه الأحزاب والتكتلات بالصراعات السياسية فيما بينها. وإستمرت قاعدة المحاصصة التي قامت عليها العملية السياسية بيد عام 2003، وفقاً لمبدأ الديموقراطية التوافقية، أساساً لتشكيل كل الحكومات العراقية المتعاقبة، مما تجلى واضحاً في توزيع المناصب الرئاسية الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان)، بين القوى السياسية بعد انتخابات عامي 2005 و2020، وفقاً لهذه القاعدة، بما يحعل الحكومات الجديدة كلها حكومات توافقية، تقوم على حكم الأغلبية المتوافقة والمتراضية. (مراد، 2012: 208). أما عن دستور دولة العراق فقد تم كتابته بعجالة، وتأسست الطبقة السياسية الحاكمة وفقاً لمبدأ المحاصصة المارة الذكر. وعليه تَسَنمت الغالبية الشيعية مقاليد الحكم من خلال أحزابها الإسلامية التي تتسم أغلبها بولائها الى إيران. وشهد العراق تفشياً للفساد الاداري والمالي خلال الخمسة عشر عاماً الماضية. فالفساد الاداري والاقتصادي والمالي والسياسي قد أهلك البلاد والعباد تحت القروض بالمليارات. وأصبح العراق يسمى في الأدبيات السياسية الغربية بالدولة الفاشلة ( A Failure State) .والعلة في ذلك هي بسبب فشل السلطة السياسية ممثلة بالحكومة والبرلمان في إحتواء العنف الطائفي والصراع المذهبي والديني والنعرات السياسية وتحقيق الاستقرار السياسي وتنمية الثروة الاقتصادية. فضلاً عن عدم توفر الارادة السياسية القادرة على إصلاح الاوضاع وحل المشاكل والازمات المتلاحقة التي عصفت بالمجتمع العراقي بناءاً ووظيفة. إن إنطلاق التظاهرات الجماهيرية كحركة إحتتاجية في شهر تشرين الأول في بغداد وبعض مدن الجنوب من العام الماضي (2019) والمسماة بثورة تشرين، والتي إستقالت على أثرها حكومة عادل عبدالمهدي في شهر تشرين الثاني من العام ذاته، ما هي إلا إنعكاس لغضب كافة شرائح المجتمع وخصوصاً شريحة الشباب على أداء الحكومات المتتالية، بسبب البطالة والفقر وإنعدام الأمن وغياب الأمان. وتسربت الفوضى والفساد الاداري والمالي والسياسي في البلد، ونشأ عن ذلك فراغ سياسي وفوضى لغاية 7/5/2020 يوم تسلم مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء لحين إجراء الإنتخابات المقبلة التي يتوقع أن تجرى في حزيران من العام القادم، أي 2021. (سعيد، 2020: 116). بشكل عام لم تشهد مدن العراق بعد 2003، ذلك التطور والتوسع العمراني والتحضر السلوكي الإجتماعي الذي يمكن أن يشار إليه بالبنان، بل إنما بدأت المدن الكبرى كمدينة بغداد والبصرة والموصل، تكتظ بالسكان بوتيرة سريعة، وباتت هذه المدن تشهد بوادر ما يسمى بالتحضر الزائف أو بالأحرى ترييف المدينة. وبسبب الصراعات السياسية والنعرات الطائفية التي أدت لإلى تصّدُع وتمزق النسيج الاجتماعي، أصبحت الإنتماءات العشائرية والطائفية تتجذر في باطن وسطح الصورة الحضرية العراقية. بحيث أصبح يلجاْ غاليبة أفراد المجتمع في حلحلة مشاكلهم الاجتماعية الى الفصل العشائري بدلاً عن اللجوء الى المحاكم وتنفيذ القانون. وفي هذا الصدد، كنتُ قد أزعمت محاججةً في دراسة سابقة لي، بأن كل الأنظمة التي حكمت العراق لم تستطيع أن تبني وتعزز مفهوم الهوية العراقية. لا بل كل ما حدث في العراق في سيرورته التاريخية وفقاّ للمنظور السوسيولوجي للفترة من 1968 إلى 2003، هو بناء دولة صلبة، شمولية في نمط الحكم وعنصرية في نوع العقيدة، والتي برهنت الأيام والسنوات الماضية، بأنها فشلت في بناء مفهوم المواطنة والهوية القومية العراقية. وبذلك توصلت في دراستي تلك الى أن الذي أسسه حزب البعث ونظام حكم صدام حسين الذي إتسم بالتوتاليتارية في العقدالأخير من القرن الماضي في العراق، هو تكوين دولة صلبة ذات سيادة قوية يعاني فيها الأفراد والجماعات من الحرية وتعبير الرأي. ولكن على صعيد الهوية وإشكاليتها، فقد فشل النظام في تعزيز هوية قومية عراقية، لا بل كل ماكان بوسعه قد سُخّرَ لتقوية وتعزيز هوية عروبية سياسية للبعثيين سنة وشيعة على حدٍ سواء. وتوصلت الدراسة أيضاّ الى أن وصف العراق بأنه دولة مصطنعة، هشّة، و متجزءة هو وصف صحيح ودقيق، وعليه لا يمكن إعتبار العراق (دولة - أمة) وفقاّ للمنظور السوسيو ـ سياسي، بل هو مكّوّن غير متجانس من القوميات والإثنيات والمذاهب الدينية المتناحرة. وواقع حال الحياة السياسية في العراق الحالي خير دليل على ذلك، حيث برهنت السنوات الماضية ذلك بكل وضوح. (Aziz, 2017: 20), إن إنعدام الاستقرار السياسي والأمني وغياب السلم المجتمعي طيلة العقدين الماضيين قد جعل العراق بيئة طاردة لرؤوس الأموال المحلية، ومانعة لتدفق الاستثمارات الأجنبية الخارجية رغم محاولة توفير الحوافز لجذبها. وهذه البيئة في نفس الوقت كانت طاردة لمواطنيها، بحثا عن فرص العمل اللائقة، أو فرارا من حروب وقمع سياسي وإضطهاد وتهديد لأمنهم الشخصي. (اللجنة الوطنية للدراسات السكانية، 2012: 21).
المبحث الرابع: الواقع الاقتصادي والمالي وإشكالياته العديدة
من المعروف إقتصادياً بان الاقتصاد العراقي هو اقتصاد أُحادي الأفق. ولم تتمكن الحكومات السابقة ولا الحالية من تحويله إلى ما يعرف بالاقتصاد المتنوع. إذ أن إعتماد هذا الاقتصاد الاحادي بالأساس هو على قطاع النفط. وهذه الأحادية ارتكزت على الانتاج الرّيعي، اي الواردات من تصدير النفط الخام وليس المشتقات النفطية. لقد أصبح العراق بعد عام 2003، بلد مستورد للنفط من الدول المجاورة مثل ايران وسوريا، هذا الى جانب هدر الغاز الطبيعي هباءً في الهواء، وتم تدمير الصناعات الثقيلة والتحويلية والخفيفة بشكل مُمنهج، فضلاً عن الصناعات النفطية والبتروكيمياوية، مثل معامل الاسمدة والمعامل البلاستيكية والتعدينية والبيتروكيمياوية لفروع الصناعات التحويلية. (وكالة يقين للأنباء، 2017). وبناءاً على ما ورد يمكننا القول بأن الاقتصاد في العراق يتسم بالإقتصاد الريعي المعتمد على النفط بنسبة أكثر من 90 بالمئة. لعلي لا أغالي إن قلت بأن الإقتصاد العراقي منذ تشكيل الدولة في عام 1921 ولحد نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، إعتمد إعتماداً كليّاً على الإيرادات النفطية، إذ بلغت في عام 1985 نحو 86، بالمئة من مجمل الإيرادات الكليّة. هذا يعني أن الاقتصاد العراقي شهدَ إنتعاشاً نسبياً في بداية السبعينات وأواسط الثمانينات، وذلك نتيجة لتأميم النفط والاستقرار النسبي بالرغم من الأقتتال الداخلي، إذ إندلعت الثورة الكوردية ثانية في عام 1974، بعد نكسة ثورة أيلول في عام 1961. (الكناني، 2013). لكن رافق هذا الانتعاش النسبي الذي عاشه الاقتصاد العراقي، توريط البلد في إتون الحرب التي بدأها مع إيران (الحرب العراقية الإيرانية) أو ما يسمى في الأدبيات السياسية الغربية بحرب الخليج الأولى، في حين سُميَت في الإعلام السياسي العراقي بقادسية صدام. تلك الحرب التي دامت ما يقارب الثماني سنوات، والتي بدأت في 23 من تشرين الثاني عام 1980، وإنتهت الثامن من آب عام 1988. وحينها كان النظام السياسي في إيران غير مستقر، وخصوصا بعد قيام الثورة الإسلامية فيها في 1979، والتي قادتها الجماهير الايرانية بكل أطيافها المتباينة برئاسة الإمام الخميني بعد أن تمّت الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي .( Husain, 1986: 37 - 48). تُعد هذه الحرب من أطول الحروب التقليدية في القرن العشرين، والتي خَلّفَت نحو مليون قتيل من البلدين وأهلَكَت إقتصاد البلدين بشكل غير طبيعي، وبات العراق مدينآ بملايين الدولارات، حيث بلغت الديون من الدول الغربية واليابان (25 ـ 30) مليار دولار أمريكي. ومن دول الخليج، وتحديدآ السعودية والكويت (50 ـ 55) مليار دولار. وبشكل عام فقد بَلَغَت ديون العراق الأجنبية ما يقارب (100) مليون دولار. أما عن دخل الفرد العراقي فقد إنخفض إنخفاضآ كبيرآ، بحيث وصل الى نصف ماكان عليه في عام 1980. (Alnasrawi, 1994: 82-83)، Anderson, L. & Stansfield, G, 2004: 84) ، (Stansfield, 2007: 107) ، (الكناني، 2013).
بأختصار، يمكن القول بأن الحرب العراقية الإيرانية قد حَوّلَت العراق من دولة دائنة لديها أكثر من 35، مليار دولار من الإحتياطيات الأجنبية إلى دولة مدينة عليها ديون تصل إلى 100، مليار دولار. لقد إزدادت الشّدة المالية والضيقة الإقتصادية في التسعينيات إلى درجة يُرثى لها، بحيث إنهار الاقتصاد العراقي مع غزو وإحتلال العراق للكويت في الثاني من شهر آب عام 1990. أما حرب الخليج الثانية، أوكما سَمّاها النظام العراقي السابق بمعركة (أم المعارك)، وأُطلق عليها عسكرياً أيضاً اسم عملية درع الصحراء أو حرب تحرير الكويت (للفترة من 7 آب 1990 وحتى 17 كانون الثاني 1991) وثم عملية عاصفة الصحراء (للفترة من 17 كانون الثاني من عام 1991، إلى 28 شباط من العام نفسه)، هي حرب شنتها قوات التحالف الدولي المكونة من (34) دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق، بعد أخذ الموافقة من الأمم المتحدة لتحرير الكويت من الإحتلال العراقي. فضلاً عن الحصار الذي فُرِضَ من قبل مجلس الأمن الدولي وحظر شريان الإقتصاد العراقي (النفط) من التصدير. وبعبارة مختصرة، يمكن وصف الاقتصاد العراقي من عام 1980، الى عام 1992، (بإقتصاد الحرب) بسبب تسخير النظام السياسي كل الإمكانيات الاقتصادية من أجل متطلبات الحروب المتتالية. هذا بالتالي أدى إلى انهيار الاقتصاد العراقي وإرجاع العراق لعصر ما قبل الصناعة. وقد وصل إجمالي العائدات النفطية العراقية لعام 1989، إلى (14.5) مليار دولار، شَكلَّت 99، بالمئة من دخل الصادرات. ويذكر إحصاء صدر عام 1990، أن قيمة الصادرات العراقية بلغت (10.535) مليار دولار منها 99.5، بالمئة من النفط، بلغت حصة إستيرادات الولايات المتحدة الأمريكية منها 28، بالمئة. وفي عام 1996، شكلت صادرات النفط (269) مليون دولار فقط، أي ثلث صادرات العراق البالغة (950) مليون دولار، لكنها عادت بحلول عام 2001، ووصلت قيمتها إلى (15.14) مليار دولار من أصل صادرات إجمالية تصل قيمتها إلى (15.94) مليار دولار. كان العراق بين عامي 1991 و1996، لا يزال يَرزَخ تحت وطأة عقوبات الحصار الدولي بسبب رفض النظام السياسي قبول إتفاقية النفط مقابل الغذاء. (Anderson, L. & Stansfield, G, 2004: 175) ، (الكناني، 2013). وبالرغم من الحظر الذي كان يتعرض له العراق منذ عام 1990، إلا أن العائدات الإجمالية للصادرات النفطية العراقية قُدِرَت في عام 2000، بأكثر من (20) مليار دولار، وكان إنتاج النفط حتى قبل الغزو الأمريكي للعراق يصل إلى ما لا يقل عن مليوني برميل يومياً، وطاقته التكريرية فاقت (500) ألف برميل لكل يوم عن طريق أكبر عدد لمصافي النفط، والتي بلغت (12) مصفاة في عام 2000. أما بعد الاحتلال الأميركي للعراق، فَتَّم إلغاء الحصار المفروض من قبل مجلس الأمن، وعاد العراق مرة أخرى لتصدير النفط، لكن وبسبب الفوضى السياسية التي شهدها البلد بعد الإحتلال، تفككت المؤسسات الادارية وإنهارت سلطة الدولة، ناهيك عن إنتشار البطالة بشكل واسع، وما صحابها من تدمير وتخريب واسع للبنية الرئيسية للاقتصاد وما نجم عن ذلك من إنخفاض في الناتج المحلي الإجمالي وإرتفاع معدلات التضخم وتدهور سعر الصرف للدينار العراقي، وترسيخ التخلف التقني الذي يعاني منه العراق منذ العقدين الماضيين ولحد الآن. هذا كله إنعكس بطريقة مباشرة على هدر الأموال وإنخفاض التنمية في العراق وتدمير ما كان باقي وحيوي.
(Anderson, L & Stansfield, G., 2004: 84) . وينبغي الإشارة إلى أنه في أعقاب غزو العراق من قِبًل الولايات المتحدة عام 2003، شًرًع المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، في تنفيذ برنامج طموح للإنتعاش وإعادة إعمار البلد. واليوم، يعاني العراق صراعاَ طائفياً، بما في ذلك الحرب الطويلة الأمد ضد داعش منذ 2014، وأصبح إقتصاده إقتصاداً هَشاً بسبب إنخفاض أسعار النفط وعجز في مرافق البنية التحتية، وتحديات متعددة في مجال الحوكمة، مثل تفشي الفساد والخروج على القانون، بحيث أصبحت بؤر الفساد تعشعش في بنية السلطة السياسية وبين شرائح المجتمع كلياً، فضلاً عن الترسبات السلبية الكبيرة التي يعاني منها المجتمع العراقي حالياً. في الحقيقة أن عملية إعادة الإعمار كانت جيدة التمويل، حوالي (60) مليار دولار ( أكملها حوالي (126) مليار دولار من الصندوق السيادي العراقي (من فترة ارتفاع أسعار النفط)، غير أن هذه الأموال لم تستخدم الإستخدام الأمثل لتعزيز البنية التحتية والمؤسسات الاقتصادية والوزارات، بل نهبت أغلب هذه الأموال بشكل سري من قبل ذوي النفوذ في السلطة والحكومة. وهذا بحد ذاته يبرز مدى تفشي الفساد الإداري والسياسي حتى النخاع في البلد. (البنك الدولي للإنشاء والتعمير، 2017: 40). ويشير الخبير الاقتصادي صبري زاير السعدي في دراسته المعمقة عن السياسة النفطية في العراق بعد 2003، بأن التجربة الاقتصادية في العراق بعد عام 2003، قد فشلت الفشل الذريع في التحول إلى تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بمبادئ السياسات الليبرالية الجديدة العَقيمة. وللدلالة على مظاهر الفشل، تكفي مؤشرات انخفاض النمو، وزيادة البطالة، وانتشار الفقر، وتفشي الفساد، وتردّي الخدمات العامة، وتدهور مستويات المعيشة، واتساع فجوة التباين في الدخول والثروات، وزيادة الدين العام والقروض الأجنبية، والعجز عن إقامة وتحديث البنية الأساسية المادية (الاقتصادية) المتقادمة، وعدم تأهيل مشاريع القطاع العام الحَيَويّة، وتجاهل ضرورات الاستثمار الحكومي لتقليل الاعتماد الكبير على صادرات النفط الخام في تمويل الإنفاق العام المُهَيمِن على الطلب الفعّال: الاستهلاك العالي، والاستيرادات المتزايدة من المنتجات الاستهلاكية واستخدام الأيدي العاملة الأجنبية غير الماهرة، والاستثمار المحدود جداً. (السعدي، 2019). أمّا في عامنا الحالي 2020، حيث واصلت أسعار النفط سقوطها الحاد في 20 /4/2020، إلى أقل من دولار للبرميل الواحد، وهو مستوى إنخفاض تاريخي فظيع، مع نضوب الطلب الفعلي على النفط بسبب الأزمة التي سببتها جائحة (فايروس كورونا 19، المستجد) بحيث ظهرت تخمة عالمية في المعروض وشَلّت حركة الطيران والصناعات الناشئة شبه متوقفة ولا يزال ونحن في الشهر الثالث من عام 2020، ملاين الأشخاص حول العالم يلزمون منازلهم لإبطاء انتشار المرض الذي يسببه الفيروس. لكن تكمن المشكلة في أن الدولة تنفق أكثر من 98 بالمئة من مبيعات النفط دون أن تكون لها إنعكاسات على وضع المواطن من حيث الخدمات والبنى التحتية، لأن 70 بالمئة منها هي كُلًف تشغيلية وهي من أكبر بوابات الفساد المالي. ويؤكد الخبراء ان هذه الأرقام كبيرة، ويمكن أن تحدث ثورة تنموية كبيرة إضافة إلى ذلك فأنه لا يأخذ بالحسبان المبالغ المستحصلة من الضرائب والجباية والجمارك وأسعار بيع الوقود محلياً وهي أرقام ليست قليلة.(خليل،2020). يرى بعض الباحثين بأن هناك وسيلة فعالة لوقف نتائج انهيار الاقتصاد العراقي والإفلاس المالي بسبب إستمرار الحكومة بالسياسات الاقتصادية الحالية. تتضمن هذه الوسيلة ورود الاحتمالات الأربعة الاتية:
1 - الإنخفاض الحاد والسريع في قيمة الدينار مقابل ارتفاع قيمة الدولار وزيادة التدهور في مستويات المعيشة.
2 - زيادة الدين العام المحلي وارتفاع معدلات التضخم الذي يفاقم التردي في مستويات المعيشسة.
3 - زيادة القروض الخارجية، بشروط تقييد قاسية، أهمها، ضمانات بأصول النفط الخام، وبيع ممتلكات الدولة من الأصول الإنتاجية والثروات الوطنية.
4 - تقليص كبير في نفقات الموازنة العامة السنوية. (السعدي، 2020: 66).
المبحث الخامس: واقع النمو السكاني والديموغرافي والعوامل المؤثرة في ذلك النمو
تعد دراسة الواقع السكاني مؤشراً مهماً لمعرفة االبنية الاقتصادية والاجتماعية لأي بلد، لكون السكان هم الدعامة الاساسية التي تمثل الصورة الحية للمجتمع أو البلد المدروس. والسكان في أبسط تعاريفه، هو العدد الكلي للافراد اللذين يقطنون بلداً أو مدينة او منطقة ما في فترة محددة. ومن المعلوم أن هذا العدد لا يبقى على وضع واحد من الإستقرار، بل أنه عرضة للتغير المستمر، زيادة أو نقصاناً. فالزيادة أو النقصان تؤثران على النمو السكاني للبلد وتركيبته الاقتصادية والاجتماعية. ويمكن تمييز نمطين من العوامل الديموغرافية المؤثرة في نمو السكان ككل، إذ يشمل النمط الأول مجموعة العوامل المباشرة التي تضم الزيادة الطبيعية بركنيها (الولادات والوفيات)، وكذلك حركة الهجرة الداخلية والخارجية. في حين يشمل النمط الثاني العوامل غير المباشرة التي تضم تركيب السكان حسب النوع او السن، حيث أنّ ما ينتاب نسبة النوع من إختلال في توزيع السكان حسب فئات السن (تحليل الهرم السكاني)، له أثره الواضح في تحديد العلاقات الزوجية وما يتصل بها من خصوبة وإنجاب، وبالتالي في رسم معدلات النمو السنوي للسكان. (جلبي، 2011: 28). ينبغي الإشارة إلى أن السياسة السكانية التي كان يتبعها العراق منذ أواسط السبعينيات ولغاية نهاية التسعينيات من القرن الماضي هي التشجع على نمو السكان والتركيز على الزيادة في أعداد السكان، لتلبية مخططاته وخاصة توفر العدد الكافِ من القادرين على حمل السلاح لزجهم في الحرب العراقية الايرانية لغاية عام 1988، ومن ثم للحروب التي تلتها في عام 1991، وعام 1993، التي ذكرناها آنفاً في المبحث السابق. أن النمو المرتفع و المتزايد للسكان من شأنه ان يفاقم الفقر ويعرقل مسار التنمية في ظل الظروف التي يمر بها العراق، وإن عدم وجود سياسة سكانية قد يفضي الى وجود تغيرات سكانية غير مرغوبة، فمعدلات المواليد مرتفعة جداً و انخفاض معدلات الوفيات نسبياً، وانتشار التخلف والامية وغيرها من المشكلات التي نتج عنها معدلات نمو سكاني عالية جداً ، فضلا عن الاوضاع السياسية غير المستقرة، مما اثر في عدم وجود سياسة سكانية واضحة تعمل على تنظيم نمو السكان وفقاً للموارد المتاحة وعلى المدى الطويل.وفيما يتعلق بالسياسة السكانية في العراق بعد 2003، بشكل عام، فقد أكدت اللجنة الوطنية للدراسات السكانية وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان في دراستها للوضع السكاني في العراق عام 2012، فأن النظام البعثي السابق كما أشرنا قد أهمل المسائل السكانية والديموغرافية في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، بدليل أنه لم يشارك في في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية والذي أقيم في القاهرة في عام 1994، والذي أحدث إنعطافا هاماً في فهم العلاقة بين السكان والتنمية وفي تأريخ إهتمام دول العالم بالسياسات السكانية. وهذا الأمر وَلّدَ غياباً رسمياً للسياسات السكانية المعلنة في العراق. وفي العراق لم تكن سياسات التنمية السابقة ولعقود طويلة من الزمن تتبنى العلاقة الدالية التي تربط ما بين السكان والتنمية، بل سعت إلى تضييق وتحجيم تلك العلاقة سواء بأثرها الايجابي في حفز الاستثمار والنمو وتحسين نوعية الحياة أو بأثرها السلبي في إحياء أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة والتي قادت إلى تخصيصٍ غير أمثل للموارد الاقتصادية، وبالتالي إلى هدر وضياع في مورد العراق غير المتجدد (النفط). كما تشير إلى ذلك خطة التنمية الوطنية 2010 ـ 2014. إن إهمال السكان وعلاقاته الوظيفية التبادلية كمتغير مؤثر في حركة عناصر الاقتصاد الكلي، وبنية نشاطه، وتوازن سوق العمل وأنماط التشغيل ومعدلات وإتجاهات البطالة وأشكالها، قد ساهم في ترسيخ قناعة مبدئية تنطلق من حقيقة مفادها أن أية معالجات للتحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي سواء في الظرف الراهن أو المستقبلي، لا يمكن أن تأخذ مداها خارج إطار رؤية واضحة وتشخيص موضوعي لقضايا السكان بدلالته الديمغرافية الكمية والنوعية. (اللجنة الوطنية للدراسات السكانية، 2012: 19).
شهد العراق منذ تأسيس الدولة الملكية في 1921، (6)، عمليات لللتعداد السكاني وهي تعداد 1947، 1957، 1967، 1977، و 1987 على التوالي. أما تعداد عام 1997، فلم يشمل كافة محافظات العراق وإنما جرى تقدير تخميني لسكان إقليم كوردستان (محافظات أربيل والسليمانية ودهوك) بسبب عدم خضوعها لسلطة الحكومة المركزية، لذا لم يتم تعداد سكان إقليم كوردستان بشكل مباشر، الأمر الذي شكل نقصاً مهماً فيه. مع ذلك تميز التعداد بسعة إستمارته وشمولها على أسئلة جديدة، كما أن نتائجه الأولية ظهرت بعد يوم واحد فقط، الأمر الذي شكل نقلة نوعية في عملية تفريغ البيانات واستخراج النتائج. (اللجنة الوطنية للسياسات السكانية، 2012: 22-23). إن التباطؤ في التحول الديموغرافي، وانعكاسات عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي شَكَلَ سببا رئيسا لتعثر التقدم نحو تحقيق أهداف الالفية الثالثة للتنمية في العراق، وبالذات الأهداف الخاصة بتعميم خدمات الصحة الإنجابية والتعليم والتغذية. علاوة على ذلك، فإنه سيبقى إلى حين هاجساً لصناع القرار المعنيين بتوسيع فرص العمل والقضاء على الفقر ومواجهة تحديات البيئة.
شهد نمو السكان في العراق وبصورته المطلقة تطوراً سريعاً ومتواصلاً ومنتظماً، ويعد النمو السكاني المرتفع هي من أهم التحديات الستراتيجية التي تواجها الحكومة في العراق حالياً. إذ يزيد السكان سنوياً بأكثر من مليون نسمة، وبلغ عدد السكان وفقاً لتقديرات عام 2018، حوالي 38.141 مليون نسمة، ويتوقع أن يتجاوز عدده 53 مليون نسمة عام 2030 نتيجة معدل النمو السكاني المرتفع الذي يبلغ 2.4 بالمائة. لذا فأن هذا النمو السكاني يمثل تحدياً جديّا في وجه التقدم المحرز نحو القضاء على الفقر وخفض البطالة، لا سيما بين الشباب، فضلا عن الضغط على الموارد والخدمات العامة والتحضر المفرط وتفاقم مشكلة السكن العشوائي. ولهذا سيكون لديناميكيات السكان في المستقبل تأثير حاسم في النتائج الإنمائية المستقبلية. ويتمتع العراق بأحد أكثر المجموعات السكانية شباباً في العالم، إذ يُقدَّر عدد السكان الذين تقلّ أعمارهم عن 19 سنة بحوالي 50، بالمئة . وينطوي المشهد الديموغرافي على زيادة في عدد السكان البالغين من (20 ـ 32) بحلول عام 2030، وسيزيد هذا الأمر من الضغط على الموارد الاقتصادية التي هي نفسها أكثرُ ندرةً من أيِّ وقت مضى، بما في ذلك الغذاء والماء والبنية التحتية الحضرية والخدمات العامة، ومن ملايين فرصة عمل إضافية. المتوقع أيضا أن يزيد الطلب على العمل إلى مابين (5 ـ 7) فرصة عمل إضافية ويمكن أن يكون هذا العدد أعلى بكثير إذا ارتفعت معدلات المشاركة في قوة العمل، وبخاصّة بالنسبة للنساء. إنَّ تسخير التحوّل الديموغرافي بنجاح يتطلب المزيد من الاستثمار في التعليم، والمهارات وتطوير في بيئة الأعمال التجارية، وإدارة الموارد الطبيعية على نحو أفضل، (بما في ذلك الأراضي الزراعية والمياه)، ويمكن أن يوفر ذلك قوة فاعلة لتحفيز النمو الاقتصادي المستدام، فضلا عن أنَّ تعزيز الطبقة الوسطى من شأنه أن يدعم الانسجام الاجتماعي والسياسي الأوسع. (وزارة التخطيط، 2017: 47)، ( التقرير الطوعي الأول حول أهداف التنمية المستدامة في العراق، 2019: 25).
تأريخياً، لم تتأثر الأرقام المطلقة للزيادات السكانية بالتقدم أو التراجع الذي شهده الاقتصاد العراقي، أو الحروب والصراعات التي مر بها خلال مراحله الزمنية المتعاقبة، وهذا ما أكدته لنا نتائج التعدادات الخمسة العامة للسكان إذ تكفي الإشارة إلى انه في عام 1934، بلغ عدد سكان العراق حوالي 3.38 مليون نسمة. وفي عام 1947، بلغ عدد السكان 4.82 مليون نسمة، ثم إرتفع العدد عام 1957، إلى 6.5 مليون نسمة. وفي عام 1977، بلغ عدد السكان حوالي (12) مليون نسمة أي أن الزيادة في السكان خلال ربع قرن بلغت حوالي (7) ملايين نسمة. وصل عدد سكان العراق في 1997، إلى حوالي (22) مليون نسمة. هذا يعني أن عدد السكان تضاعف اثنتي عشرة مرة خلال القرن العشرين. وعلى الرغم من عدم تنفيذ التعداد المقرر منذ عام 2007، إلا أن نتائج عمليات الترقيم والحصر التي نُفِذَت قَدَرَت عدد السكان عام 2009، ب (31.6) مليون نسمة، كما إنها وفرت مؤشرات أولية عن مستوى المحافظات والأقضية والنواحي. ومن الجدير بالملاحظة إن زيادة الأرقام المطلقة للسكان لا تخفي حقيقة إتجاه معدلات النمو السكاني نحو التناقص بما يتسق مع النمط الطبيعي للتحول الديموغرافي. (اللجمة الوطنية للسياسات السكانية، 2012: 24).
المبحث السادس: الواقع الاجتماعي وسمات المشكلات الاجتماعية
لا شك أن لكل نظام إجتماعي قِيَمَه وممارسته الاجتماعية، حيثُ تختلف هذه القيَم والممارسات بإختلاف درجة التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي يبلغه ذلك النظام. فالتقدم الاقتصادي والاجتماعي هذا يعني تغييراً للأبنية التحتية والفوقية للمجتمع بحيث تظهر آثاره واضحة ًفي التركيب السكاني والبناء الطبقي من خلال عملية الحراك الاجتماعي أفقيا ُوعمودياً. ينبغي الاشارة هنا الى فرضية الدراسة الرئيسية قد تحققت في أن الظروف التي شهدها العراق ما بعد التاسع من نيسان 2003، وترسبات الاستبداد السياسي للنظام السابق جعلت المجتمع العراقي في مواجهة تحديات وإشكالات عديدة: سياسية، واقتصادية، وأمنية، واجتماعية فرضت نفسها على الواقع العراقي وعلى مدى استقرار المجتمع، ومن ثم على إمكانية بناء الدولة العراقية على أسس جديدة. وكل ذلك ولّدَ دولةً متشظية وفاشلة ومجتمعاً منشطر وهش، ولهذا تدعي الدراسة بأن وصف دولة العراق بالدولة الفاشلة وصف صحيح إلى حدٍ بعيد.
ولعل أهم تلك الإشكالات التي شكلت كابحاً أمام بناء الدولة بمؤسساتها كافة هي الإشكالات الاجتماعية، إنطلاقاً من أن تحقيق البناء الإنساني والاجتماعي للفرد يُعد حجر الزاوية في تأسيس أركان الدولة الحديثة إلى جانب الأبعاد الأخرى. ويمكن تشخيص أهم الإشكالات الاجتماعية التي أصبحت عائقاً أمام بناء دولة ديموقراطية حقيقية في العراق هي: الطائفية والولاءات للهويات الفرعية المتناحرة، غياب القيم الاحتماعية الايجابية وضعف الترابط الاجتماعي، وفقدان ثقة الأفراد بالدولة ومؤسساتها الادارية والوظيفية وغياب الاستقرار وإنعدام السلم المجتمعي. ومن خلال ملاحظة الباحث ومتابعته للمنشورات والبيانات والدوريات الرسمية الصادرة في داخل العراق وخاجه، بات واضحاً بأن أهم المشاكل التي يعاني منها العراق هي تعمق ظاهرة الفساد المالي والاداري والتي تحولت من ظاهرة سلوكية مرتبطة بفئات معينة من رجالات الدولة الحديثة فيما بعد 2003، إلى بنية المجتمع العراقي، وترسخت جذورها بحيث أصبحت مصدراً للأستنزاف وهدر المال العام، وإقتطاعها جزءا مهماً من الدخل والناتج القومي، وتسريبه لخارج المنظومة الاقتصادية، وبدلالة مؤشر الحوكمة لمنظمة الشفافية الدولية، أصبح العراق من بين الدول العشر الأولى الأكثر فساداً في العالم عام 2015. ( وزارة التخطيط، 2020، 17). أن الفساد المالي والاداري والنعرات السياسية والاقتتال على الهوية الفرعية والصراع الطائفي والاثني والنزوح الإجباري لإقليم كوردستان والهجرة الاجبارية للخارج الذي شهدها المجتمع العراقي في العقدين الماضيين، وَلَّدَ حالات وظواهر من الفوضى والتشظي والإنقسام والتفسخ الاجتماعي (الأنومي)، التي لم تكن مألوفة في المجتمع العراقي، تمثلت في تفشي ظاهرة المحسوبية والمنسوبية وإنعدام الدفء الاجتماعي العائلي، وإرتفاع ملحوظ في أعداد نسب حالات الطلاق، وإزدياد في نسبة الأرامل والعوانس وعزوف الشباب عن الزواج بسبب البطالة والفقر. ومن المشاكل الاجتماعية الاخرى البارزة في المجتمع العراقي المعاصر، هو التفكك الأسري الناتج عن عدم قدرة رب الأسرة على تحمل المسؤولية لباقي أفراد العائلة، نتيجة البطالة وقلة موارد دخله، حيث يؤدي ذلك إلى لجوء الأطفال إلى ترك الدراسة والنزول إلى ساحة العمل، لسد احتياجات الأسرة من مأكل وملبس. ونتيجة لكل تلك المشاكل الاجتماعية، إزدادت معدلات الجرائم، مثل القتل والخطف والسرقات والاختلاس وغيرها، وترتب كذلك على تفشي الفقر بشكل كبير في العراق، إذ يدفع انخفاض الدخل ومستوى المعيشة والرغبة في الثراء أو الحصول على المال عند البعض لارتكاب هذه الجرائم، التي تعجز الحكومة عن الحد منها أو مواجهتها. يعاني المجتمع العراقي من ظاهرة التصدع الاجتماعي الناتج عن الانقسام الاجتماعي البنيوي والعميق الذي يحدث بين المجموعات الاجتماعية المتمايزة. كل مجموعة تتميز بالانتماء لهوية فرعية تميز بها نفسها عن هوية المجموعات الاخرى. أن هذا النوع من الانقسام الاجتماعي له دوره في تحديد التوجهات السياسية لدى الافراد والجماعات. أما عن الفقر فتشير بعض الدراسات الى أن معدلات الفقر ارتفعت خلال الأشهر الماضية في هذا العام (2020) في عموم العراق لتصل إلى 40، بالمئة في مدن شمال ووسط وغرب العراق، ونحو 35، بالمئة في الجنوب. (تقرير بغداد بوست عن الآثار الاجتماعية المترتبة عن الفقر في العراق، 2019). في السنوات الأخيرة تزايدت ظاهرة إنتشار تعاطي الحبوب المسكرة والمخدرات المدمرة والإدمان على المشروبات الكحولية وإنتشار الإنحراف واللواطة والسرقة والرشوة لشريحة كبيرة من الشباب العاطل عن العمل. ينبغي القول بأن الدولة العراقية المعاصرة كما نعلم، بُنيَت على أسس طائفية ودينية مذهبية وعرقية، متناسية وحدة العراق الوطنية وإن لم تكن قد بنيت قط. والقبلية في العراق قد تكون حالة خاصة مختلفة عن نمط النظام القبلي المتواجد في العالم العربي، فهنا لا نعني بالقبلية ما قصده محمد عابد الجابري بقوله بأن القبلية هي " الدور الذي يعزى لما كان يعبّر عنه الانثروبولوجيون الغربيون وخاصة البريطانيون بالقرابة (Kinship) عند دراستهم للمجتمعات البدائية السابقة للرأسمالية. (الجابري، 200: 48). ولا نقصد بها قرابة الدم وحدها. إنما ما نقصده في السياق المعاصر والمتفشي في العراق هو مصطلح القبلية السياسية كمبدأ تنظيمي ورابطة متجانسة الغرض والاهداف، مبنية على التحالف بالقدر الذي تبنى على القرابة والنسب. هي في الواقع عقلية عامة ومبدأ تنظيم تستمد قوتها من الإنتماءات والولاءات البدائية المتجذرة في وجدان وأعماق الجماعة، ثقوى تارةً وتضعف تارةً أخرى وتستتر داخل الدولة خلف التنظيمات السياسية وتتلون بألوان الطوائف المتناحرة. ( النقيب، 1996: 9). ولهذا وجدت الأطراف المكونة للعملية السياسية في ترسيخ الانقسامات المجتمعية والطائفية مصلحةً جوهرية لها، وذلك من خلال علاقة الطائفية السياسية بالسلطة والثروة والنفوذ، على حساب مصلحة الوطن والمواطن. وبات الشعار الشعبي الذي يردده الاغلبية الساحقة والمسحوقة في المجتمع العراقي (بأسم الدين باكونا الحرامية)، خير تعبير عن الواقع المعاصر الذي يعيشه العراق مجتمعاً ودولة. وبهذا إنسلخت الدولة عن المجتمع، خصوصاً بعد أن تنامى دور القبيلة والعشيرة الى حد بعيد. ومن البديهي أن يكون لكل ذلك تداعياتها السلبية على إستقرار المجتمع والدولة بمؤسساتها المختلفة. ومن الظواهر السلبية الأخرى، ظاهرة التسول، إنتشار الأدوية المخدرة في الصيدليات وسوق الباعة غير الخاضعة للرقابة الصحية، وكذلك ظاهرة انتشار الرشاوي داخل مؤسسات الدولة وبجميع مفاصلها. أذاً، أصبحت الرشوة جزء مهم مكمل لأي معاملة في أغلب الدوائر الرسمية، ولو امنعنا النظر لأغلب مشاكل المجتمع العراقي لوجدنا البطالة هي السبب لأغلب هذه المشاكل. (وكالة يقين للأنباء، 2017).
نتائج الدراسة:
1 ـ توصلت الدراسة إلى أن الحكم الشمولي الذي عانا منه العراق من 1979، إلى 2003، قد ولّدَ إرثاً شائكاً من الحروب المدمرة، والعقوبات الكاسحة، وسوء الحكم والادارة، وحكم الاسرة والفساد. وأدت هذه الظروف الى استنزاف الموارد ودمار المجتمع المدني، وإضفاء الطابع الشخصي على مؤسسات السلطة، وخلفت وراءها شعباً ينوء تحت ثقل التشظي والتصدع الاجتماعي الشديد، ويعاني من أزمة هوية طاحنة.
2 ـ توصلت الدراسة إلى أن الفساد الاداري والاقتصادي والمالي والسياسي قد أهلك العراق واضناه دولةً ومجتمع. وأصبح العراق يسمى في الأدبيات السياسية الغربية بالدولة الفاشلة ( A Failure State)، ذلك بسبب فشل السلطة السياسية ممثلة بالحكومة والبرلمان في إحتواء العنف الطائفي والصراع المذهبي والديني والنعرات السياسية وتحقيق الاستقرار السياسي وتنمية الثروة الاقتصادية. أكدت الدراسة بأن العراق دولة فاشلة بإمتياز، لأن الدولة تكون فاشلة وفق المعايير العالمية، إذا عجزت عن إستتباب الأمن على أراضيها، وفسدت فيها النخب الحاكمة، وتهدّمت البنى التحتية وفقدت الخدمات، وكثرت الشروخ والتصدعات في نظامها الأجتماعي القيمي والأخلاقي، وتعطلت فيها المسارات القانونية. إن هذه الدولة الفاشلة قد يتحول وضعها إلى حالة اللادولة.
3 ـ توصلت الدراسة إلى أن ظروف العراق السياسية والاقتصادية ما بعد 2003، قد أثرت بشكل كبير على نمو السكان، ولم يكن للموارد الطبيعية المتوفرة فيه ومدى امكانية استغلالها اثر في ذلك.
4 ـ أثبتت الدراسة بأن هناك قطيعة وتصدع في العلاقة بين الدولة والمجتمع. وبسبب الصراعات السياسية والنعرات الطائفية والمذهبية التي أدت لإلى تصّدُع وتمزق النسيج الاجتماعي، أصبحت الإنتماءات العشائرية والطائفية تتجذر في باطن وسطح البنية الاجتماعية العراقية. بحيث أصبح يلجاْ غاليبة أفراد المجتمع في حلحلة مشاكلهم الاجتماعية الى الفصل العشائري بدلاً عن اللجوء الى المحاكم وتنفيذ القانون.
وتتجلى ظاهرة التصدع الاجتماعي الناتج عن الانقسام الاجتماعي البنيوي والعميق الذي يحدث بين المجموعات الاجتماعية المتمايزة. كل مجموعة تتميز بالانتماء لهوية فرعية تميز بها نفسها عن هوية المجموعات الاخرى. أن هذا النوع من الانقسام الاجتماعي له دوره في تحديد التوجهات السياسية لدى الافراد والجماعات.
4 ـ أثبتت الدراسة إلى أن تجربة السبعة عشر سنوات الماضية في العراق بتطبيق مبدأ الديمقراطية التوافقية في الحكم واقائمة على المحاصصة، أصبحت وصفة مثالية للفشل السياسي، وخير مثال على ذلك تجربة تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2005، وتكرار السيناريو في انتخابات 2010. أضعفت الديمقراطية التوافقية البرلمان في دوره في المراقبة والمحاسبة، ناهيك عن تشريع القوانين. وبهذا باتت الديمقراطية التوافقية تكرّس الطائفية، إذ يصبح المجتمع العراقي مكَوّن من كتل طائفية وليس من شعب، تعمل على تغييب مفهوم المواطنة لصالح الجماعات، وبإعادتها لإنتاج الإنغلاق الطائفي والإثني فإنها تُصنِف الفرد قسراً، فيكون أسيراً لإنتمائه الفرعي متمثلاً بالطائفية، وليس لإنتمائه للعراق متمثلاً بالوطن والمواطنة.
5 ـ تبين من الدراسة بأن المدن الكبرى في العراق كالعاصمة بغداد، والبصرة والناصرية والعمارة، وكركوك والموصل لم تشهد توسعاً عمرانياً أو نمو وتطور حضري، بل أصبحت هذه المدن تترّيف، وهذا ما نطلق عليه نحن الباحثين في الدراسات الحضرية بترييف المدن أو بالتحضر الزائف، والتي تعبّر عن غلبة قيم البداوة والعشائرية وسطوتها على الفضاء الحضري المدني.
6 ـ توصلت الدراسة إلى أن الستراتيجية الإقتصادية غائبة وليس هناك أية سيادة أو هيبة للدولة على أراضيها وحدودها الدولية.
التوصيات
1 ـ مواجهة الأزمات المذكورة التي يواجهها المجتمع العراقي عن طريق تحقيق الإستقرار السياسي وتعميق مبدأ الانتماء للمجتمع في مقابل الانتماء للقبيلة او للمدينة او للطائفة أو المذهب أو العرق، وخاصة عند الذهاب إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات المؤمل قيامها في السادس من حزيران 2021.
2 ـ مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وحث الجماعات المختلفة بتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ونشر مبدأ التعاون والحوار على التعصب بشتى ألوانه.
3 ـ احترام المال العام مقابل عدّه غنيمة في متناول اليد الممدودة والعين المغمضة والضمير المغيب. معالجة مشاكل العنف السياسي، وأزمة النزوح والهجرة الجماعية الداخلية
4 ـ تفعيل دور الإعلام وطرح الحلول للمشكلات التي يعانيها المجتمع العراقي وذلك من خلال إستشارة الأساتذة المتخصصيتن في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
5 ـ التنسيق مع حكومة إقليم كوردستان في حلحلة المشاكل العالقة والمتعلقة في تقاسم الثروات والسلطات وفقاً لدستور 2005، وضمن العراق الفدرالي المتفق عليه سابقاً.
المصادر باللغة العربية:
أولاً: الكتب والموسوعات
1. الأسود، (د). صادق، (1986)، علم الاجتماع السياسي: أُسُسه وأبعاده، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل، الموصل.
2. بوبر، كارل، (2006)، منطق البحث العلمي، ترجمة محمد عبد البغدادي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت.
3. جلبي، (د). علي عبدالرزاق، (2011)، علم إجتماع السكان، دار المسيرة، عَمّان.
4. الجابري، محمد عابد، (2000)، العقل السياسي العربي: محدداته وتجلياته، (ط.4)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
5. عمر، (د). معن خليل، (1983)، الموضوعية والتحليل في البحث الاجتماعي،(ط. 1)، دارالآفاق الجديدة، بيروت.
6. الغزال، (د). إسماعيل، (1982)، القانون الدستوري والنظم السياسية، (ط.1)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت.
7. الكناني، كامل، (2013)، أرجوحة التنمية في العراق بين أرث الماضي وتطلعات المستقبل: نظرة في التحليل الاستراتيجي، دار الدكتور للعلوم، بغداد.
8. محمد، (د). خليل إسماعيل، (2012)، القضية الكوردية بين مطرقة دول الجوار وسندان الحكومات العراقية، مطبعة موكرياني، أربيل.
9. مفرّج، سعد ولجنة من الباحثين، (2006)، موسوعة عالم السياسة: تعريف شامل بالسياسة فكراً وممارسة، الجزء 23، (ط.1)، القاموس السياسي (2)، دار النشر والتوزيع (Nobilis)، بيروت.
10. المالكي، (د). عبدالله سالم، (2014)، جغرافية العراق، منشورات ضفاف، دار الفكر للنشر والتوزيع، بغداد.
11. النقيب، خلدون، (1996)، صراع القبيلة والديموقراطية: حالة الكويت، دار الساقي، بيروت.
ثانياً: المواقع الإلكترونية
1- البنك الدولي للإنشاء والتعمير، ( 2017)، إقتصاديات إعادة الاعمار بعد انتهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واشنطن دي سي.. Downloads/211085AR.pdfتم التصفح في 15/7/2020.
2- تقرير بغداد بوست، (2019)، الآثار الاجتماعية المترتبة عن الفقر في العراق، https://www.thebaghdadpost.com. 19/1/2019، تم التصفح في 25/7/2020.
3- التقرير الطوعي الأول حول أهداف التنمية المستدامة في العراق، (2019)، 23321IraqNVR20Final11June2019WOC، تم التصفح في 19/7/2020.
4= العنبر، أياد، (2019)، العراق.. الدولة الفاشلة باقية وتمدد، https://middle-east-online.com/ ، نشرت في 15/3/2019 في ميد أيست اون لاين. تم التصفح في 11/10/2019.
5 ـ الزبيدي، (د)، ليث عبد الحسن، ومعتز إسماعيل الصبيحي، (2019)، سياسات البناء الاجتماعي للدولة المدنية في العراق بعد العام 2003، مجلة قضايا سياسية، ، تصدر عن كلية العلوم السياسية بجامعة النهرين. العدد 48 -49، ص: 3 - 18. تم التصفح في 10/5/2020.
5- حسن، لقاء ياسين، (2016)، دولة المكونات في العراق بعد عام 2003: الواقع والمستقبل، المركز الديمقراطي العربي، 6. سبتمبر 2016. بحث منشور على الصفحة الألكترونية للمركز، تم التصفح في 12/7/2019.
6- سبونيك، هانس فون، (2013)، العراق: 1990 الى 2003، خيانة شعب والإفلات من العقاب للأبد. مقال مترجم عن الأنكليزية. 20/3/2013. تم التصفح في 11/6/2020
https://www.jadaliyya.com/Details/28258
7- السعدي، صبري زاير، (2019)، العراق: السياسة النفطية في غياب الرُؤية الاستراتيجية الاقتصادية المستقبلية، مركز دراسات الوحدة العربية. https://caus.org.lb/ar. نُشرت هذه المقالة في مجلة المستقبل العربي العدد 488 في تشرين الأول/أكتوبر 2019. تم التصفح في 27/7/2020.
8- السعدي، صبري زاير، (2020)، العراق أمام التحديات: تغيير السياسات الاقتصادية المعيبة، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 413-414، تموز، 2020، ص:63-70.
9- سعيد، حيدر، (2020)، ثورة تشرين: رهانها وأفقها السياسي، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 413-414، تموز، 2020، ص:114- 120.
10- الشاطري، مشعان، (2011)، مفهوم الأزمة.. خصائصها ومراحل نشوئها، نشرت في 18/6/2011، على موقع المنتدى العربي لأدارة الموارد البشرية، https://hrdiscussion.com/hr32773.html?s=579bd27ebee0496f8058e4c8867aa68b. تم التصفح في 13/9/2020.
11- خليل، شذى، (2020)، تاريخ الديون العراقية وارتباطها بأسعار النفط والاستيرادات، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 14/05/2020 . https://rawabetcenter.com، تم التصفح في 1/7/2020.
12- خوري، نسيم، (2018)، مفهوم “الدولة الفاشلة” كيف نشأ وتطور.. ولماذا هناك 20 دولة عربية ينطبق عليها التوصيف؟ وما هي؟ صحيفة رأي اليوم، نشرت في 4/3/ 2018. تم التصفح في 12/9/2019.
13- العراق دولة فاشلة جريدة المدى، آراء وأفكار، نشرت في 3/3/2013. https://almadapaper.net/view.php?cat=81819 تم التصفح في 14/6/2020.
14- العامري، (د)، محمد، (2020)، الأزمة، نشرت على موقع https://sst5.com/readArticle.aspx?ArtID=1023&SecID=42, تم التصفح في 8/7/2020.
15- علوش، (د)، مصطفى، (2019)، عن الدولة الفاشلة والشعب الرهينة والسلطة المجرمة، جريدة الجمهورية، 11/8/2020.
16- العنبر، (د)، إياد، إسحق يعقوب محمد، (2014)، مستقبل العراق: دراسة في العلاقة بين مؤشرات الدولة الفاشلة ومتغيرات إنهيار الدولة، حولية المدى، المجلد، 1 العدد 19، ً: 157 ـ 188.
17- اللجنة الوطنية للدراسات السكانية، (2012)، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان ،الوضع السكاني في العراق عام 2012، التقرير الوطني الثاني حول حالة السكان في إطار توصيات المؤتمر الدولي للسكان والتنمية والأهداف الإنمائية للألفية، حزيران.
18- المشهداني، أكرم عبدالرزاق، (2012)، العراقيون بين وصف فيصل الأول وعلي الوردي، جريدة الزمان الدولية العدد 4267، نشرت في 2/8/2012، تم التصفح في 10/10/2020.
19- مراد، علي عباس، (2012)، حول بعض مشكلات إعادة بناء الدولة في العراق، مجلة حمورابي للدراسات، العدد الرابع، السنة الأولى، كانون الاول، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الأستراتيجية، بغداد.
20- المركز الديمقراطى العربى للدراسات الاستراتيجية، والاقتصادية والسياسية، (2019)، ، أثر الإحتلال الأمريكي على العنف السياسي الطائفي في العراق (2003 - 2017)، https://www.democraticac.de/?page_id=31، تم التصفح في 17/7/2010.
21- الموسوعة السياسية، (2020)، https://political-encyclopedia.org/، تم التصفح في 10/10/2020.
22- وكالة يقين للأنباء، تقرير خاص، كيف ساهم الاحتلال الأمريكي في دمار الاقتصاد العراقي؟، 17/3/2017،. https://yaqein.net/reports/22317 تم التصفح 23/7/2020.
23- وزارة التخطيط، (2017)، الجهاز المركزي للإحصاء، المجموعة الإحصائية السنوية، (2017)،إحصائيات غير منشورة، بغداد.
24- وزارة التخطيط، (2020)، خطة التنمية الوطنية 2018 - 2020، بغداد.
المصادر باللغة الإنكليزية:
Book, Journals and Dictionaries:
1. Alnasrawi, Abbas., (1994), Economic Devastation, Underdevelopment and Outlook in Fran Hazelton, Iraq since the Gulf War: Prospects for Democracy, London, Zed Books Ltd, PP: 72-96.
2. Anderson., Liam & Gareth Stansfield, (2004), The Future of Iraq: Dictatorship, Democracy, or Division, USA, Palgrave, Macmillan.
3. Aziz, Mahir, A, (2017), Iraq from 1920-2003: A sociopolitical analysis of state-building, dictatorship and the identity dilemma of Iraqiness. Journal of Koya University, Human Sciences, Vol.44.
4. Dusza, Karl, "Max Weber's Conception of the State", International Journal of Politics, Culture, and Society, Vol.3, No.1, (Autumn,1989), pp: 71- 105.
5. Freund, Julien, (1968), The Sociology of Max Weber, Translated from French by Mary Ilford, London, Allen Lane, The Penguin Press.
6. Gerth, Hans H., & C. Wright Mills, (eds), (1947), From Max Weber: Essays in Sociology, Routledge & Kegan Paul, and New York, Oxford University Press.
7. Giddens, Anthony, (1971), Capitalism and Modern Social Theory: an analysis of the writings of Marx, Durkheim and Max Weber, Cambridge, Cambridge University Press.
8. Giddens, Anthony, (1973), The Class Structure of the Advanced Societies, London, Hutchinson & Co Publishers Ltd.
9. Giddens, Anthony, (2001), (4th ed), Sociology, Cambridge, Polity Press.
10. Held, David et al, (eds), (1983), States & Societies, Oxford, Martin Robertson in association with Open University.
11. Hussain, Akbar, (1986), The Revolution in Iran, Hodder Wayland Ltd.
12. Jary, David & Julia Jary, (1991), Collins Dictionary of Sociology, Glasgow, Harper Collins Publishers.
13. Marshall, Gordon, (1994), The Concise Oxford Dictionary of Sociology, Oxford, Oxford University Press.
14. Mitchell, G. Duncan, (1989), A New Dictionary of Sociology, London, Routledge and Kegan Paul.
15. Stansfield, Gareth, (2007), Iraq: People, History, Politics, Cambridge, Polity.
16. The Fund for Peace, (2020), Fragile States Index, https://fragilestatesindex.org/analytics. Accessed on 08/10/2020.
17. www.mercer.com/newsroom/2019-quality-of-living- (survey.html. Accessed on 10/10/2020.